صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

الإسراء والمعراج..دروس وعبر

بقلم: زينب باحديوي- مسؤولة نادي الدعاة الشباب فرع القنيطرة

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله محمد عليه أتم وأزكى التسليم، وعلى من تبع هداهم إلى يوم الدين.

اشتد إيذاء كفار قريش للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين في شعب أبي طالب بميثاقهم المشؤوم، و تلاه وفاة عمه أبي طالب الذي رباه بعد وفاة جده ووالدته وكان يصد عنه أذى كفار قريش، و توفيت زوجه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها والتي كانت له السند والمأوى حين يشتد به الحال وحين يحزن أو يفزع، زيادة عن ما لقيه من تنكيل ومهانة في  الطائف. وذلك في العام العاشر من البعثة الذي اشتهر عند الناس بعام الحزن..

على الرغم مما لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم في عامه هذا فلم يقنط من رحمة ربه قط بل صبر واحتسب، وقام يدعو الله ويستعين به ويتضرع، مع بعض التوجس أن يكون الله جلا في علاه قد غضب عليه، إذ قال عليه السلام مناجيا ربه : { اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك } [1]

فما كان من الكريم المنان إلا أن يستجيب لعبده دعاءه  كما جاء في سورة الإسراء { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [2]

وهذه سنة الله تعالى مع أنبيائه أجمعين، فلا عسر إلا ويتبعه يسر وبركة، و رحلة الإسراء والمعراج كانت تكريما لرسول الله صلى الله عليه وسلم  على صبره و تجديدا لهمته وعزيمته في الدعوة. يقول تعالى { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه }[3]، وقال { وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }. [4]

وقد جاءت قصة ليلة الإسراء والمعراج كما روى البخاريُّ ومسلم – واللفظ لمسلم – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: {{ أُتيت بالبُراق، وهو دابَّة أبيضُ طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضَع حافره عندَ منتهى طرفه.. قال: فركبتُه حتى أتيتُ بيت المقدس، قال: فربطتُه بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلتُ المسجِد، فصليتُ فيه رَكعتين، ثم خرجتُ فجاءني جبريلُ – عليه السلام – بإناء مِن خمر، وإناء مِن لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل – صلَّى الله عليه وسلَّم -: اخترتَ الفِطرة، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتَح جبريل، فقيل: مَن أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، قيل: وقدْ بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففُتِح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحَّب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السَّماء الثانية، فاستفتح جبريلُ – عليه السلام – فقيل: مَن أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومَنمعك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابنَيِ الخالة: عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكرياء – صلوات الله عليهما – فرحَّبَا ودَعوَا لي بخير، ثم عرج بي إلى السماء الثالِثة، فاستفتح جبريل، فقيل: مَن أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومَنمعك؟ قال: محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذا هو قد أُعطي شطرَ الحسن، فرحَّب ودعَا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل – عليه السلام – قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمَّد، قال: وقد بُعِث إليه؟ قال: قدْ بُعِث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحَّب ودعَا لي بخير؛ قال الله – عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [5]، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: مَن هذا؟ فقال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بهارون – صلَّى الله عليه وسلَّم – فرحَّب ودعَا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل – عليه السلام – قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى – صلَّى الله عليه وسلَّم – فرحَّب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابِعة، فاستفتح جبريل، فقيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – قيل: وقدْ بُعِث إليه؟ قال: قدْ بُعِث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم – صلَّى الله عليه وسلَّم – مسندًا ظهرَه إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخلُه كل يوم سبعون ألف مَلَك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى السِّدرة المنتهى، وإذا ورقُها كآذانِ الفِيلَة، وإذا ثمرُها كالقلال؛ قال: فلَمَّا غشِيَها من أمْر الله ما غشِي تغيَّرتْ، فما أحد مِن خلق الله يستطيع أن ينعتها مِن حسنها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففَرَض عليَّ خمسين صلاةً في كلِّ يوم وليلة، فنزلتُ إلى موسى – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ما فَرَض ربُّك على أمَّتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجعْ إلى ربك فاسأله التخفيف، فإنَّ أمَّتَك لا يُطيقون ذلك، فإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعتُ إلى ربي، فقلت: يا ربِّ، خفِّف على أمتي، فحطَّ عني خمسًا، فرجعتُ إلى موسى، فقلت: حطَّ عني خمسًا، قال: إنَّ أُمَّتك لا يُطيقون ذلك، فارجعْ إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزلْ أرجع بين ربي – تبارك وتعالى – وبين موسى – عليه السلام – حتى قال: يا محمد، إنهنَّ خمسُ صلوات كلَّ يوم وليلة، لكلِّ صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومَن هَمَّ بحسنة فلم يعمَلْها كتبت له حَسَنة، فإنْ عملها كُتبت له عشرًا، ومَن همَّ بسيئة فلم يعملْها لم تُكتب شيئًا، فإنْ عَمِلها كُتبت سيِّئة واحدة، قال: فنزلت حتى انتهيتُ إلى موسى – صلَّى الله عليه وسلَّم – فأخبرتُه، فقال: ارجعْ إلى ربِّك فاسأله التخفيف، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: فقلت: قدْ رجعتُ إلى ربي حتى استحييتُ منه }}.

ومن رحلة الإسراء والمعراج يمكننا استنباط عدة دروس ومواعظ، وهي كالآتي :

-من تمام العبودية لله إحسان الظن به وعدم القنوط من رحمته و الإستعانة به والتضرع والتذلل له عند الشدائد، وهي العبودية التي ترفع العبد عند ربه مقاما كبيرا { سبحان الذي أسرى بعبده }.

-علو المكانة التي يحتلها المسجد الأقصى في الإسلام، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الصلاة فيه تعدل ألف صلاة. الشيء الذي لا يدع مجالا للشك في ضرورة التشبث به و بعدالة القضية الفلسطينية، الواجب على كل مسلم نصرتها وعدم التخاذل في الدفاع عنها بما أوتي من قوة والذي هو بمثابة الدفاع عن مقدسات دين الإسلام .

-صلاة النبي بالأنبياء جميعا في الإسراء دليل على أن الدين عند الله الإسلام وهو دين الأنبياء جميعا وأن دعاؤهم دعاء واحد وهو عبادة الله الواحد الأحد، وأن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين. وقد جاء ذلك في عدة مواضع من القرآن الكريم؛ قال تعالى في محكم التنزيل : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }. [6]

وقال في آخر سورة يوسف: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }. [7]

وقال عن نبيَّه عيسى : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }. [8]

وعن خاتم الأنبياء والمرسلين يقول جل في علاه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }. [9]

-اختياره شرب اللبن دليل على الفطرة و هدايته للحق وهداية أمته على يديه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والذي خلق هذه الفطرة في بني آدم خلق لها دينا منسجما معها لا يخالفها.

-فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج وكانت خمسين صلاة، وبعد التخفيف أصبحت خمس صلوات تعادل الخمسين في الأجر، و هي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماء وتلقاها الرسول من ربه مباشرة لما تحتله من مكانة هامة في الإسلام. قال رسول الله { رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة…}. [10]

-بعدما عاد صلى الله عليه وسلم من الرحلة وقصها على سكان قريش من المسلمين والكفار، فلم يصدقوها و طلبوا منه الإثبات فوصف لهم شكل المسجد الأقصى و بعض ما لاقاه في طريق رحلته. وقد كان الإخبار عن الليلة اختبارا لصدق إيمانهم، فمنهم من صدق ومنهم من ارتد عن إسلامه ومنهم من أنكر عليه ما حكى. و من الذين صدقو في إيمانهم؛ أبو بكر رضي الله عنه حيث قال بلسان الواثق : { لئن كان قال ذلك؛ لقد صدق! ثمَّ قال: إنِّي لأصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السَّماء في غدوةٍ، أو روحةٍ }[11]، ولقبه رسول الله حينها ب ” الصديق ” لتصديقه إياه وإيمانه به.

-الله هو القادر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، تبارك وتعالى وتنزه عن كل نقص. فمن تمام و كمال إيمان العبد إيمانه و بمعجزات ربه والتسليم لما جاء به الكتاب دونما شك في قدرة الله تعالى الذي لا يعجزه شيء في السماء ولا في الأرض.

هذا والحمد لله رب العالمين.

 

الإحالة :

[1] ورد هذا الحديث ـ مرسلا، من رواية ابن إسحاق في ” السيرة ” – كما في ” تهذيب السيرة ” لابن هشام وغيره.

[2] الآية 1، سورة الإسراء.

[3] من الآية 53، سورة الزمر.

[4] من الآية 87، سورة يوسف.

[5] الآية 57، سورة مريم.

[6] الآية 130 و 132، سورة البقرة.

[7] الآية 101، سورة يوسف.

[8]  الآية 52، سورة آل عمران.

[9] الآية 3، سورة المائدة.

[10] رواه الترمذي وصححه الألباني.

[11] رواه الحاكم (3/62).

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: