“العنف الجامعي” بقلم هبة الغوات
ما العنف؟
سؤال يبدو غريبا للوهلة الأولى، لكنه ليس بالغريب عن الظاهرة الإنسانية، مفهومٌ له ماض طويل، وتاريخ عريق يضرب بجذوره في أعماق التاريخ. حتى أنه من الممكن أن نقول أنه يعود إلى البدايات الأولى لوجود الإنسان في هذا العالم، أي أنه جزء مهم من التاريخ البشري. وهذا دليل على أن الإنسان ليس دائما ذلك الكائن الطيب السَمح الظمآن إلى الحب والود والخير؛ والذي يدعي أنه لا يهاجِم إلا دفاعا عن نفسه، فهذه الصورة الطوباوية عن الإنسان لا توجد إلا في الكتب والأشعار والمُثل والأحلام.
فالعنف سلوك يمارسه الإنسان فحسب، لا الحيوان ولا الطبيعة، بالنظر لما يحمله من وعي وقيم وحرية ومسؤولية وأمانة -لم تستطع تحملها السموات والجبال.
العنف كما يعرَّف عادةً: تعبير عن القوّة الجسديّة؛ التي تصدر من نفسٍ بشرية ضد نفس بشرية أخرى، أو ضد الطبيعة، وما فيها من إلحاق الأذى أو الضرر. هو مرادف للشدّة والقسوة, فكل فعل شديد يخالف طبيعة الشيء يكون مفروضاً من الخارج فهو بمعنى ما فعل عنيف، ولا وجود هنا لتعريف إسلامي أو يساري أو ليبيرالي للعنف. العنف هو العنف لا مكان للايديولوجيا هذه المرة فيه، لأنه مفهوم كوني انتهكت فيه الإنسانية.
والإنسان مهما بدا عليه من أشكال التمدن والتحضر ومهما سطر من دساتير وقوانين, للأسف مازال العنف حاضرا بقوة ويهيمن على السلوك البشري، طبعا هذا لا يعني أن العنف يعود دائما للفطرة الإنسانية، بل قد يكون مكتسبا. والتاريخ البشري كان غنيا في هذا الصدد، فأفرز لنا أشكالا متعددة من العنف، يمكن أن نميز ضمنهما بين نوعين، هما: العنف المادي والعنف الرمزي. وكلاهما يمارس بطرق ووسائل متعددة تتطور باستمرار بقدر تطور العلم و التقنية.
وللأسف، فالعنف يحط الرحال أينما وضع الإنسان قدمه في هذه الأرض، دخل جل المؤسسات والمكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية. لكن دخوله إلى الجامعة المغربية كان أشد خطورة، فرغم أنها ظاهرة ليست بالجديدة على الحرم الجامعي لكنها تبقى نادرة ومحدودة في الزمكان، لكن هذا لا ينكر أن العنف داخل الجامعة سجل في دفتره العديد من أسماء الطلبة الذين راحوا ضحية فصائل متعصبة دوغمائية (عبد الرحيم حسناوي، عمر خالق، عيسى ايت الجيد… ) طلبة كباقي أبناء هذا الوطن دخلوا الجامعة شبابا من أجل الحصول على شواهد تذهب بهم إلى وظيفة وإلى تحقيق أحلامهم, لكنهم خرجوا منها فعلا بشهادة الوفاة. خلفت شبح حزن وأسى وألم على بيوت عائلات الضحايا، لا يزول ولا ينسى ولا يخمد، مع جروح لم تشفى.
مما هو معلوم أن الجامعة فضاء للعلم والمعرفة، و مجال للحوار والتعايش والتسامح والتبادل المعرفي و الحضن الآمن لكل الفصائل الطلابية، ومركز لتكوين وتخريج الأطر والنخب التي ستساهم في إصلاح المجتمع والدفع به نحو موكب التطور والتقدم. وليست مكانا لتخريج عصابات تحترف القتل والهتك والعنف، وتجعل من الجامعة حلبة للغوغاء والفوضى والقتال بين هذه التيارات، ونسكت عليه، لأننا لسنا في حالة الطبيعة، قانون الغابة والحرية المطلقة فقد تجاوزنا ذلك. الطالب الذي يذهب إلى الجامعة لكي يستفيد من حقه في التعليم لا لكي يكون ضحية أو كبش فداء أيادي خبيثة. فبدل مقارعة الأفكار بالدليل والبرهان لا يجد أحدهم حرجا في رفع السيوف والسكاكين في وجه من خالفه الرأي، ومناقشة الأشخاص لا الافكار ذلك مبلغه من العلم. طبعا هذه نتيجة للقلق والانزعاج وعدم قدرة الانسان على العيش المشترك، على تقبل الاختلاف حتى جعلوا من الاختلاف خلافا.
وفي هذا السياق نستحضر شهيد الحركة الطلابية “عبد الرحيم حسناوي” رحمة الله عليه الذي كتب تاريخ 24 أبريل 2014 بمداد من الدم بقي موشوما في ذاكرة “منظمة التجديد الطلابي”و الذي راح ضحية هجوم ارهابي تزعمه فصيل” النهج الديمقراطي القاعدي” بفاس.
ثماني سنوات من تخليد هذه الذكرى المؤلمة، ثماني سنوات من الدفاع عن السلم و نبذ العنف وإراقة الدم داخل الحرم الجامعي، ثماني سنوات من ترسيخ ثقافة الحوار الذي يعد أهم وأولى مبادئ المنظمة الأربعة “حوار – علم – تجديد – نهضة ” وباعتباره شكلا من أشكال الاتصال الذي يتضمن عقلنة وتبصرا وحكمة ومتابعة للفكر.
لكن يبقى السؤال المطروح من المسؤول عن هذه الظاهرة “العنف داخل الجامعة “؟ وما العمل أو ما هي الإجراءات التي يجب اقتراحها للحد من العنف الطلابي أو من تأثير هذا الفيروس على الجامعة؟
أسئلة مهمة تتكرر وستتكرر ما دام العنف موجودا داخل الحرم الجامعي، السؤال عن المسؤول، سؤال معقد، لأنه يبقى من الصعب توجيه الأصابع لمؤسسة معينة تقف وراء العنف الجامعي, فكل الجهات المعنية بدءا من الدولة والمجتمع والجامعة والمؤسسات السياسية والاجتماعية والوزارة والأساتذة، والطلبة، والإداريين، وكل من له دخل في الشأن التعليمي. كل مسؤول عن الأمن داخل الحرم الجامعي ، ودورهم في إرجاع الجامعة لتأدية الوظائف الموكلة إليها في تكريس مبادئ المواطنة الصالحة، وقيم الديمقراطية، وعلى رأسها نبذ العنف والعدوان والتعصب، وتكريس التسامح والتعددية، وتقبل الآخر والغير، واحترام الرأي المخالف، والتنوع وتقبل المخالف، ثم الإيمان بالحوار كمنهج يربط بين الفصائل الطلابية رغم اختلافاتهم الفكرية، والثقافية، والسياسية فهو” صناعة” تكتسب، تنطلق من البيت إلى المدرسة إلى المسجد إلى الشارع، فهو ليس فطري فينا وإنما نكتسبه. ولا شك أن الإنسان وهو الذي وصفه الأقدمون بكونه “حيوان ناطق” له قابلية فطرية للحوار أو السجال، لكن من لم يطور هذه القابلية لديه فقد يبقى في مستواه الأولي أو البدائي. ثم تكريس مفهوم التواصل الفعال المنبثق أساسا من رحاب الجامعات منذ نشأتها مع ربط الجسور وانفتاحها على محيطها الخارجي, الذي يعتبرها مرجعية أساسية في سبيل خدمة الوطن والمواطن على حد سواء.
كل ما ذكر ما هو إلا اشارة بسيطة، وتسليط للضوء على هذه الظاهرة السلبية التي تمس جوهر الإنسان وكينونته أولا وأخيرا، واستحضار لذكرى شهيد منظمة التجديد الطلابي عبد الرحيم حسناوي الذي نجدد عليه الرحمات ونسأل الله أن يرفعه في أعلى الدرجات مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين …
على أمل أن يأتي يوم ونقول فيه: توقف العنف داخل الحرم الجامعي..