صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

الكيان الصهيوني.. أزمة تعديلات أم أزمة هوية؟

حسام الشعبي - عضو المكتب المحلي لمنظمة التجديد الطلابي فرع المحمدية

إن المتابع للساحة السياسية للكيان الصهيوني، لا يخفى عليه وجود حراك احتجاجي بدأ قبل أسابيع ضد بعض التعديلات الحكومية، وصل ذروته في الأيام القليلة الماضية حيث قام المتظاهرون بالاحتجاج أمام منزل رئيس الوزراء، وتوقيف الطرق السيارة، والتهديد بوقف الحياة الاقتصادية كاملة داخل الكيان.
وأمام هذا المشهد انقسمت التحليلات لوضعية الكيان إلى قسمين: منهم من اعتبرها حالة صحية ودليلا على وجود حياة سياسية ديموقراطية، ومنهم من اعتبرها مؤشرا على فشل سياسي ذريع ممهد لانهيار “دولة” الاحتلال في القريب العاجل، وهذه التحليلات تبقى حسب رأيي تحليلات متسرعة لا تأخذ في الحسبان طبيعة الكيان، لذا سنحاول تفنيد الفرضيات السابقة وتقديم التحليل الأنسب في تقديرنا لطبيعة الكيان.

المؤسسة العسكرية في عمق الأزمة

لو كانت الأزمة التي يعيشها الكيان المحتل كما يزعم البعض أزمة صحية وطبيعية، لما أرخت بظلالها على المؤسسة العسكرية السامية “جيش الشعب”، ولما أدت لتمرد عدد كبير من جنود الاحتياط ورفضهم لأداء الخدمة العسكرية، ولما امتنع قادة الأسراب من أداء التدريبات، وغيرها من المؤشرات التي تضرب استقرار أهم المؤسسات بالكيان.
بلا شك أن هذه الأحداث لا تعبر عن حياة سياسية طبيعية!

أما من يقول أن الأزمة السياسية ممهدة لانهيار الكيان، فهذا كان ليكون صحيحا في دولة مدنية طبيعية، وليس في “دولة” تعتبر أسمى هيئة فيها هي أجهزة المخابرات “جهاز الموساد” وهذا الأخير هو من يمتلك الوصاية على الأمن والنظام داخل الكيان، ويمكنه أن يستعمل أقذر الممارسات للحفاظ على هذا الهدف.

وبالتالي، لا بد أن نضع سؤالا عريضا حول طبيعة هذه الأزمة الصهيونية؛ والتي استطاعت أن تتسرب إلى كافة المفاصل السيادية داخل الكيان بما فيها السلطة التشريعية والتنفيدية والمؤسسة العسكرية بكافة أنواعها؟

ثم إننا نجد أنفسنا أمام أزمة أعقد و أعمق بكثير وأن الخلافات السياسية ماهي إلا مجال من المجالات التي شملتها!

ماهية الأزمة

إن الأزمة الحقيقية العاصفة اليوم بالكيان هي في الحقيقة “أزمة هوية” فالهوية هي الدعامة الأساسية الأولى لشرعية واستقرار أي دولة. لكن مأزق الكيان أنه لا يمتلك هوية واضحة.
فلنتسائل: هل الكيان هويته قومية؟ أم علمانية؟ أم دينية/ يهوية؟

سياق أزمة الهوية

لفهم هذه الأزمة يتحتم على الباحث العودة إلى ما قبل تأسيس الكيان و بالضبط سنة 1944 حين اعتمد القادة المؤسسون “العلمانيون” “خطة المليون يهودي”، وقد كانت أول خطة لاستيعاب يهود الجزيرة العربية وشرق أوروبا وشمال إفريقيا في مكان واحد، بعدما كانت غاية القادة الاقتصار على يهود غرب أوروبا فقط، لكن الخسائر البشرية لليهود في الحربين العالميتين قلبت الموازين، بعدها ستلوح في الأفق لأول مرة مشكلة الهوية وبروز هوة ثقافية بين ثقافتين: الأولى علمانية غربية، و الأخرى دينية شرقية. وهو ما جعل ديفد بن غريون يبتكر استراتيجية أسماها آنذاك “استراتيجية بوقتة الانصهار”. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى دمج الثقافات المختلفة وخلق هوية واحدة موحدة للشعب “اللقيط”.

هوية الخوف بين نجاح وفشل استراتيجية بوقتة الانصهار

عرفت استراتيجية ديفيد نجاحاً في العقود الأولى، لكن هذا النجاج لم يكن بسبب عبقريتها أو للتوافق الإثني اليهودي، لكن بسبب وجود هوية كانت أقوى من كل شيء و كانت مشتركة موحدة بين كل الأطياف الصهيونية هي “هوية الخوف”، خوف المحتل!
في ظل حروب عربية صهيونية، ومقاومة شرسة لأصحاب الأرض، ورفض شعبي عنيف من كافة شعوب العالم الإسلامي، وبالتالي ظل نقاش الهوية معلقا حتى حين.
ومع توالي الانتصارات العسكرية للكيان، وانتشار دعاية الجيش الذي لا يقهر، وما تلاه من انتصارات ديبلوماسية عبر الاتفاقيات التطبيعية، وكذلك نجاح قادة الكيان في فك عزلته الجغرافية، كان كل هذا مساهما في خفوت حالة الخوف الصهيوني، وبالتالي تفتت الهوية الجامعة للكيان.
فكان من الطبيعي ثوران بركان صراع الهوية من جديد، لكن بصيغة متحورة خطيرة إثنية متصارعة لا تتقبل إحداها بالأخرى.

الإثنية القطبية

وهكذا انقسم الكيان إلى قطبين متصارعين الأول تشكله نخبة علمانية منفتحة على كافة الأطياف “الملاحدة والمثلية والدروز”، وتعارض اليهودية وتعتبرها أداة استنفدت أدوارها الرئيسية بإنشاء وطن لليهود، وأضحت بدون جدوى. وأنتجت هذه النخبة تيارا داخل الكيان يسمى بتيار ما بعد اليهودية. والثاني تشكله نخبة متدينة ذات أغلبية تقدر ب 60% من “الشعب اللقيط” تعتمد على نظام يهودي خرافي عنصري محض، وهي على عداء تام مع القطب العلماني وتعتبره معطل لقيام الدولة اليهودية ونزول المسيح.
وهذا القطب المتدين على تطرفه يوجد فيه فرع يميني متطرف على خلافات عقائدية كبيرة مع الحخامية الكبرى.
وهنا يمكن أن نقدم مثالا سريعا على ذلك، فخلال سنة 2014 أصدر الحخام الأكبر لليهود يتسحاق يوسف بيانا يؤكد فيه على حرمة دخول اليهود للمسجد الأقصى في الديانة اليهودية، هذه التصريحات ستجلب عليه هجمة شرسة من الجماعات اليمينة المتطرفة داخل الكيان بلغت حد وصفه بأنه”لا يمثل أحدا من اليهود”.

وقع أزمة الهوية الٱن

بالعودة لواقع الكيان اليوم نرى بشكل جلي أن هذه الإثنية القطبية أطفت خلافاتها بشكل واضح إلى كل مفاصل الدولة.
فسياسيا تتجلى بشكل واضح هذه الإثنية القطبية، فزعيم المعارضة يائير لابيد هو نتاج تربية غربية وبالضبط في لندن أي “المعسكر الغربي العلماني”، أما قادة الأغلبية فنخاعها الشوكي هم جماعات ايتمار بن غفير و بتسلأيل سموترينس، الأول ولد في العراق، و الثاني في روسيا أي ” المعسكر الشرقي”.
حتى أن الشارع لم يشكل كل أطياف “الشعب اليهودي” كعادة الشعوب الطامعة في الحرية بل اقتصر على القطب العلماني فقط، لهذا كنا نرى بين الفينة و الأخرى رايات الشذوذ الجنسي إلى جانب راية الكيان، بل كنا نشاهد في بعض الأحيان يهودا آخرين يدهسون المتضاهرين بسياراتهم، وكذلك الأمر في جيش الجنود الرافضين للخدمة العسكرية والتدريبات هم من القطب العلماني في المؤسسة العسكرية، أما النخبة اليمينية فطالبت هذه الأخيرة بإنزال أقصى العقوبات على الجنود الرافضين، وقس على ذلك في المؤسسات الأمنية الرفيعة والاقتصادية ثم القضائية..

لعل القارئ المتتبع انتبه إلى أن الكنيست صادق سنة 2018 على قانون يهودية الدولة، صحيح لكنه صادق عليه بصيغة معززة لهذا الصدام “صدام القطبية” فقد تمت المصادقة بأغلبية 62 صوت فقط مقابل معارضة 55 صوت، وامتناع نائبين. ما يجعل هذا القانون مهددا بالسقوط أو التغيير في أي وقت، وهو ما يضعنا كما سبق تأكيده أمام دولة بلا هوية.

ختاماً

نقول أن صخرة الهوية هي الصخرة التي ستكسر عنجهية الكيان داخليا وسيكون لها الدور الكبير في تسريع زواله القريب بإذن الله، ومن يعتقد أن الأزمة السياسية انتهت وأن الحراك الشعبي قد خفُت بتجميد رئيس الوزراء التعديلات القضائية فهو واهم. فإن الصراع الطاحن قد بدأ ولم ينته بعد.

يقول تعالى:

“بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ”.

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: