“تحديات العمل الطلابي الراهنة” بقلم جهاد خريبش
في نظري أن التحديات العثرة أمام عملنا كهيأة مدنية تعمل بالجامعة تتلخص في ثلاث :
إن الوزارة الوصية التي نشتغل في ساحتها تذهب في منحى أعتقد أننا لا ننخرط في قراءته بالشكل الكافي (الاتجاه نحو تهميش التخصصات الأدبية بشكل كبير- تعزيز التخصصات التقنية المحضة بكفاءات متوسطة)، وتدعي أنها تنفتح على النقاش العمومي لتطوير منظومة التعليم العالي، وتتجاهل بشكل واضح كفاءات المغرب، في آخر ندوة لوزير التعليم العالي مع أسماء لسنا ندري كيف تم اختيارها من المغاربة المقيمين بالخارج لنقاش موضوع تطوير منظومة التعليم بالمغرب !
بلا شك سيكون لاستبعاد العنصر الفاعل بشكل مباشر في منظومة التعليم العالي بالمغرب (هيآت مدنية فاعلة في الوسط الجامعي – كفاءات مغربية أكاديميا ومهنيا)، وكذا لسياسات تفريخ أعداد من التقنيين والتقنيين المتوسطين (خلق مسالك جديدة لتكوين 100.000 من المهندسين والأطر المتوسطة والتقنيين الممتازين – إطلاق 58 مسلك تقني جديد تلبي متطلبات القطاعات الإنتاجية) في مقابل غياب تام لأي مقترح يهم مسالك العلوم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، سيكون لهذا بلا شك أثر على مستوى النخب العاملة وتكوينها الفكري والثقافي، سنتعامل في المستقبل كهيئة، وكأفراد تحمل هموم مجتمعية، مع شريحة فارغة فكريا، غير قادرة على أن تموقع نفسها في وسط الأطياف المجتمعية فتترك لنفسها بين تيه العبث في المواقف والتوجهات أو الراديكالية التي تتغذى على سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. الشيء الذي سيعيق بقوة المهمة التأطيرية لهيأت المجتمع المدني أمام هذه الشريحة المجتمعية التي تتزايد أعدادها.
أمامنا أيضا تحدي رقمي مهم، لا زلنا كهيأة نتعامل مع الوسط الرقمي كوسط للنشر والتوثيق في حين أن الواقع جعل من الوسائط الرقمية فضاء للتأطير.
الشريحة الأكبر من الطلبة الذين لا نجدهم في الساحات الجامعية موجودة على منصات التواصل الرقمي، ونحن الذين نتمسك بالوسائل التقليدية للعمل في الساحة الجامعية غائبون “تأطيرا” عن المنصات الرقمية! ونريد رغم ذلك أن يكون لنا أثر؟!
نتحدث اليوم عن التأثير بالواقعية وتوجهات نحو استعمال تقنيات التأثير النفسي، المبنية على نظريات علم النفس الإيجابي، في المجال الرقمي، لأجل تغيير سلوك الأفراد، أين منظمة التجديد الطلابي من هذا المجال من التأطير وهاته الفرص الهائلة المتاحة للتأهيل ؟
لا شك أننا نترك المجال واسعا لمنصات المؤثرين ليقوموا بهذا الدور بجدارة ولكن بمستوى فكري وثقافي متدن للأسف!
ثم إن التحدي الفكري هو الأدهى؛ إن كان في وقت مضى ما يؤطر الروح الفكرية لمقولات منظمة التجديد الطلابي هي أدبيات الحركة الإسلامية التي تضرب سقف حسن البنا ويوسف القرضاوي وعلال الفاسي وسيد قطب، بحكم أنهم يمثلون مرحلة الصحوة والتأسيس، فنحن الآن ملزمون في هذه المرحلة أن نستوعب أن السقف أصبح أعلى من ذلك بكثير ! وأننا في مرحلة نقدية يساءل فيها التراث/التقليد الإسلامي حول جدوائيته في مواكبة الحداثة العالمية !
حري بنا أن نلم بأدبيات الحداثة ونقد الحداثة لأن في نظري لم تجد الحركة الإسلامية كمشروع مجتمعي جوابا بعد حول هل الحداثة خير أم شر ؟ وكيف لنا أن نكون حداثيين ومحافظين ؟ وكيف يسعفنا التراث/التقليد في مواكبة العصر الحديث وآلياته وتغيراته؟
وفي هذا لا يسعفنا إلا الانفتاح على الإنتاج البشري العالمي لأن الإشكالات التي يواجهها أغلب من ينتمون للتوجه الفكريّ الإسلاميّ أصبحت تتجاوز الأسئلة التفسيريّة التي تطرح سؤال الكيف، بل أصبح الإسلاميّ يدافع في نفسه أسئلة الماهيّة الأولى التي يتيه في الجواب عليها، لأنه ببساطة فاقد للرؤيّة النظريّة الجامعة التي تصوغ المواقف الواضحة من القضايا الكبرى: الأخلاق – الدين – المصلحة – الخ.
وحريّ بنا أن ننفتح على مختلف مجالات المعرفة البشريّة التي راكمت العقول العظيمة فيها قدرا كبيرا من العلم بعد آخر عهد كان فيه العلم في صفّ المسلمين، أتحدث عن عصر الأنوار وحقبة النهضة الأوروبية، خصوصا تلك التي تهتم بالمبادئ الكبرى والقضايا الكليّة من فلسفة وثيولوجيا وسوسيولوجيا واقتصاد، وأن يكون هذا الانفتاح ممنهجا، لا لأجل تطويع تلك المعارف حسب ما يرتضيه الإنسان من خلفيّة ايديولوجيّة إسلامية، بل لأجل فهم الواقع كما هو، وتكوين نسق_فكريّ جامع يستطيع به التعاطي مع الجزئيّات بطريقة يفهم فيها ما يقول، ولا يلقي كلاما أجوفا.
ولا أعتبر هذا الانفتاح على نتاج المعرفة البشريّة ترفا فكريّا، بل ضرورة ملحّة ليس دون الأخذ بها إلا ضياع الأوقات. كما أعتبر المنهجيّة المثلى في هذا الانفتاح أخذ المعرفة من عيونها الصّافية التي يتكدّر العلم بعدها بزيادات عقول صغيرة لا تضيف شيئا يذكر من العلم.