“حماس الشباب” بقلم عبد الحق لمهى
بقلم: عبدالحق لمهى – باحث في الفكر الإسلامي
بسم الله الرحيم الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،
فإن الاستفادة من السيرة النبوية العطرة أمر لازم على كل مؤمن برسالة محمد؛ الممتدة في الزمان والمكان قال تعالى ” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”[1]
في مستهل الحديث، يعرف كل متتبع ودارس للسيرة النبوية العطرة، أن من الاحداث الهامة في سيرة المصطفى عليه السلام ما تناولته كتب السيرة، وفيه: “أرادت قريش أن تثأر ليوم بدر، فاستعدت وتجهزت لغزو الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكان رأي الرسول عليه الصلاة والسلام وعدد من الصحابة ألا يخرج المسلمون إليهم، بل يظلون في المدينة، فإن هاجمهم المشركون صدوهم عنها، ولكن بعض شباب المسلمين، وبعض الأنصار والمهاجرين، خاصة من لم يحضر منهم بدرا، تحمسوا للخروج لمنازلتهم في أماكنهم فنزل الرسول عند رأيهم.”[2]
الشاهد عندي من هذا الحدث، هو ما صدر عن بعض شباب المسلمين من المواقف المتحمسة المخالفة لرأي الرسول القائد، وعدد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا. وما يمكن استفادته من الدروس والعبر، ومن ذلك ما يلي:
ـ مما لا شك فيه أن هؤلاء الشباب لم يكن يعاب عليه شيء سوى ضعف الخبرة؛ النابع من عدم مشاركتهم في محطات ومعارك سابقة، وإلا فهم على قدر من التقوى والورع، نجوم يهتدى بهم جميعا، لا شك في ذلك، كيف لا وهم بحضرة الرسول عليه السلام؛ يطلبون الخروج في سبيل الله نصرة لدينه، وإعلاء لكلمة الله تعالى، وهم كذلك يتمتعون بالقوة الهائلة التي تحتاجها كل أمة في مختلف معاركها، فالتاريخ يشهد على دور الشباب ذي القوة في تحقيق الانتصار وربح رهان النجاح. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولنذكر على ذلك عليا رضي الله عنه، وما قدمه من التضحية أثناء هجرة النبي عليه السلام، مما دل على صدق نيته ومحبته للرسول عليه السلام. وبهذا نكون أمام جيل فريد لا ينقصه من شيم الرجال شيء؛ عدا الخبرة التي فقدها في موقفه يوم أحد.
ـ واستنادا إلى الحدث السالف الذكر، يمكننا القول بإن الأمة المسلمة اليوم، وهي تريد صناعة جيل الشباب ـ رمز العطاء ـ لزمها تزويده بكل المعارف والتجارب السابقة، وما راكمت من عوامل وفرص النجاح، وما حل بها من سقوط وانتكاس. كل ذلك من أجل أن يسترشد به الشباب في بلورة مواقف وتصورات حول الواقع الحاضر والمستقبل، فإذا لم يقع هذا ضيعت الأمة على شبابها فرصا كبيرة من أجل غد أفضل، بما لم تنصح لهؤلاء الشباب.
ـ إن عين الرشد القيادي ينشأ عن اعتبار رأي الشباب وتقديره وتوجيهه الوجهة الصائبة ـ بإخلاص لله تعالى ـ من خلال تبصيرهم بعواقب ومآلات الأفعال والمواقف المتحمسة، وخاصة مع تلك الفئة التي لا سابق تجربة لها. وبمقابل ذلك حرص كبير من قبل الشباب على استيعاب توجيهات القيادة ـ ذات التجربة ـ والعمل بها متى تبين صوابها؛ لا يمنع من ذلك مانع فارق السن بين الأجيال، فإن العبرة بمن كان رأيه صوابا لا بحداثة السن ولا علامات شيب على الرأس.
ـ من سداد الرأي اعتبار تقديرات كل من الشباب المتحمس والقيادة الحكيمة، كلها تدور في دائرة الرأي الذي يحتمل الصواب والخطأ، لا العقيدة التي تحتمل الصحة والبطلان. وأن يتحلى أصحاب الآراء المتعددة المتباينة بمقولة أهل العلم: “إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين”.
وأخيرا، تلكم بعض الخلاصات التي أسفر عنها التأمل في هذا الحدث السيري، وهي فيض من غيض ليست إلا، ويبقى أن تنبري الأقلام لاستخلاص باقة أخرى من العبر من خلال التأمل الدقيق والعميق في هذا الحدث، لعلنا نهتدي من خلاله إلى رشد فكري ومنهجي في قضايا التعامل مع حماس الشباب.
[1] ـ الأحزاب، 21,
[2] ـ السيرة النبوية دورس وعبر، الدكتور مصطفى السباعي، ص 95ـ 96.