التجديد الطلابي تعرض مذكرتها بخصوص مشروع القانون الإطار وهذه أبرز محاورها
عرضت منظمة التجديد الطلابي مساء أمس مضامين مذكرتها الاقتراحية بخصوص مشروع القانون الإطار رقم 17.51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، في ندوة صحفية بالرباط.
وسجلت المذكرة مجموعة من الاختلالات المنهجية في عملية إعداد مشروع القانون الإطار، وأدرجت عددا من المبادئ العامة لإصلاح المنظومة التربوية، مقترحة معالما للجامعة المنشودة، كما ثمنت سلسلة من المقتضيات التي تضمنها المشروع، داعية إلى الحرص على تنزيلها وفق جدولة زمنية مناسبة.
وسلطت المذكرة الضوء أيضا على المناهج التدريسية والهندسة اللغوية التي أتى بها مشروع القانون الإطار، وعلى مسألة تمويل الإصلاح التربوي والبحث العلمي، مقترحة جملة من الخطوات العملية لتجاوز الاختلالات سالفة الذكر.
وقد استند إعداد هذه المذكرة إلى عدد من المراجع، أبرزها دستور 2011 والميثاق الوطني للتربية والتكوين والتقرير التحليلي لتطبيق الميثاق الوطني، إضافة إلى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 17.57، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات المتعلقة بمؤسسات التعليم العالي.
كما استندت المذكرة أيضا إلى مذكرات المنظمة التي تضم الورقة التعليمية لسنة 2011 “الجامعة التي نريد”، ومنهجية “الإصلاح الذي نريد” لسنة 2013، وتقارير الدخول الجامعي ونهاية الموسم الجامعي، وتقرير الفساد المالي والإداري بالجامعة المغربية لسنة 2017، وتقرير المعرفة الجامعية لسنة 2017، وعدد من الملتمسات الأخرى…إضافة إلى المواكبة اليومية لإشكالات التعليم العالي والبحث العلمي كما ترصدها فروع المنظمة في مختلف المؤسسات الجامعية بالمملكة المغربية.
ملاحظات منهجية
سجلت المنظمة في مذكرتها عددا من الاختلالات المنهجية في عملية إعداد مشروع القانون الإطار، والتي اعتبرتها “غير مطمئنة” ومفرغة لعملية المصادقة على مشروع القانون الإطار من مضمونها.
- عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة: معتبرة أن الانتقال من المخطط الاستعجالي إلى بلورة رؤية استراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين دون محاسبة المسؤولين عن فشل هذا المخطط، وهدر ملايير الدراهم التي رصدت لتنزيله، هو أمر لا يساعد على القطع مع معضلة الفساد التي أعاقت النهوض بالمنظومة التربوية.
- تركيبة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: التي تخلو حسب المذكرة من أي تمثيلية طلابية، وتقصي عددا من الشخصيات العلمية الكفؤة والمتخصصة في قضايا التربية.
- منهجية التقييم: متمثلة في قصور التقرير التحليلي الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يقدم معطيات مهمة عن اختلالات تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي يتمثل في تناوله الجانب التطبيقي من الميثاق، دون مساءلة مضامينه ومدى ملاءمتها للواقع التربوي، إضافة إلى اعتماده على مراجع أجنبية وغير راهنة.
- أية رؤية للإصلاح؟: معتبرة أن استناد مشروع القانون الإطار إلى كل من الميثاق الوطني والرؤية الاستراتيجية، يعني وجود رؤيتين للإصلاح، وهو ما لا يعطي جوابا واضحا عن مكمن الخلل، هل في الرؤية أم في التطبيق؟.
- إقصاء الطلبة: مسجلة إقصاء المنظمات الطلابية وعموم الطلاب من الإسهام في الإصلاح، ومتمنية تداركه بالانفتاح على مذكرة المنظمة ومقترحاتها.
- ازدواجية الإصلاح: وتعني بذلك اعتماد السلطة الوصية مسارين متباينين؛ حيث تجري وزارة التربية الوطنية وكتابة الدولة المكلفة بالتعليم العالي استباقا لمسطرة المصادقة على مشروع القانون الإطار والنقاش الدائر حوله، بالتنزيل السريع والنافذ لعدد من القرارات التربوية الخطيرة والهيكلية وغير المنسجمة مع الاختيارات الدستورية، مثل تدريس اللغة الفرنسية ابتداء من السنة الأولى ابتدائي، وتعميم تدريس المواد العلمية بالفرنسية، واعتماد مسلك الإجازة المهنية في علوم التربية بالمؤسسات الجامعية، وفتح نقاش حول النظام البيداغوجي دون الاستماع لصوت الطلبة، أو الكشف عن مخرجاته.
- هيمنة الظرفي على الاستراتجي: معتبرة أن أي محاولة لحل مشاكل اقتصادية أو اجتماعية على حساب الوظائف الأساسية للجامعة المغربية المتمثلة في إنتاج المعرفة والقيم هو إجهاز على استراتيجية الإصلاح، ومن المؤشرات المقلقة في هذا الصدد، حسب المذكرة، هو الدخول في منعطف من مهننة الجامعة المغربية على حساب وظائفها الأصيلة، وتحميلها تبعات البطالة وعدم مواكبة سوق الشغل.
إصلاح منظومة لتربية والتكوين: مبادئ ومعالم
تطرح منظمة التجديد الطلابي تصورا للاختيارات الكبرى التي ينبغي أن تؤطر الإصلاح التربوي، هذا التصور الذي ينطلق من تعليم وطني أصيل وموحد وشعبي ومجاني وديمقراطي.
ولتحقق هذه المبادئ وجب تحديدها بمعالم الجامعة المنشودة، والمتمثلة في المعرفة والاستقلالية والديمقراطية والجودة.
مقتضيات تثمنها المذكرة:
ثمنت مذكرة المنظمة سلسلة من المقتضيات التي تضمنها مشروع القانون الإطار، داعية إلى الحرص على تنزيلها وفق جدولة زمنية مناسبة وعاجلة.
وتتجلى هذه المقتضيات في إرساء شبكة وطنية متجددة، واتخاذ الدولة التدابير اللازمة لإرساء نظام وطني مؤسساتي مندمج، وتفعيل التجسير والممرات بين مكونات منظومة التربية والبحث العلمي ومستوياتها من جهة وبينها وبين المحيط الاقتصادي والاجتماعي والمهني والعلمي والتقني والثقافي من جهة أخرى.
إضافة إلى العمل على تأهيل مؤسسات التربية والتعليم والتكوين القائمة على سد الخصاص الحاصل فيها، وتزويدها بالأطر والتجهيزات اللازمة، والعمل على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان استدامة التعليم والقضاء على الأمية، واعتماد دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات، واعتماد مبدأ التفريع من أجل تمكين بنيات التدبير الجهوية والمحلية للمنظومة من ممارسة المهام والاختصاصات الموكولة إليها، وإمكان تكليف الدولة لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بإنجاز أو الإشراف على إنجاز برامج ومشاريع خاصة في مجال البحث العلمي.
المناهج والهندسة اللغوية:
رصدت مذكرة منظمة التجديد الطلابي مجموعة من الأعطاب البنيوية التي تعاني منها المناهج التدريسية والاختيارات اللغوية، والتي تعيقها عن القيام بدورها في إنتاج المعرفة والبحث العلمي، وتخريج نخب كفؤة ونزيهة قادرة على الاندماج في المجتمع.
وركزت المذكرة في هذا الباب على الفصل بين التكوينات النظرية والتطبيقية، وهيمنة التلقين الأحادي المشجع على الاتكالية والغش، وانفصال التكوين الجامعي عن واقع المجتمع وهمومه. إضافة إلى الخلط بين لغات التدريس وتدريس اللغات، والإرهاق البيداغوجي الناتج عن مطالبة المتعلم بإتقان اللغة العربية والقدرة على التواصل بالأمازيغية، وتمكنه من لغتين أجنبيتين على الأقل، وهو ما تعتبره المذكرة مستحيلا في ظل الواقع الحالي للمنظومة التعليمية،و تهميش اللغتين العربية والأمازيغية لصالح اللغات الأجنبية.
ولتجاوز هذه الاختلالات اقترحت المنظمة في مذكرتها تعزيز اللغة العربية في التعليم العالي خصوصا في كليات العلوم، والتمييز بين لغات التدريس وتدريس اللغات، وتشجيع الترجمة في التعليم العالي والبحث العلمي بأفق الاستقلال الحضاري والعلمي.
إضافة إلى التراجع الفوري عن تعميم تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، وتخصيص الوقت الكافي لتدريس اللغة العربية والأمازيغية في السنوات المبكرة، وعدم التشويش عليهما بلغات أجنبية، وتعزيز موقع اللغة العربية في منظومة التربية والتكوين، وتطوير طرق تدريسها بإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى حيز الوجود.
التمويل:
تركز المذكرة على التفاوت الحاصل بين النتائج الهزيلة للمنظومة التربوية وحجم الإنفاق الذي تستفيد منه، ويرجع ذلك إلى مشكل الفساد المالي والإداري في مقابل ضعف محاسبة المتورطين في عدد من ملفات الفساد، وفشل الدولة في حفز الجماعات الترابية ومؤسسات القطاع الخاص عن المساهمة في تمويل المنظومة عموما والبحث العلمي على وجه الخصوص كما أوصى بذلك الميثاق.
إضافة إلى هيمنة الحسابات السياسية على بعض محاولات تمويل المنظومة، وإرهاق نسبة مهمة من الأسر المغربية بتكاليف مالية باهظة في سبيل البحث عن جودة التربية والتكوين لأبنائها في القطاع الخاص، في ظل ضعف جودة التعليم العمومي وفي ظل وضعية اجتماعية تشهد ارتفاعا متصاعدا في تكاليف المعيشة لعموم الشعب المغربي.
وفي هذا الصدد، تقترح المذكرة اعتماد مقاربة شمولية ومندمجة، تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاجتماعية الصعبة للأسر المغربية، و الحفاظ على مبدأ المجانية كمكتسب للشعب المغربي، وتمويل التعليم أساسا من طرف الدولة وتنويع مصادره، وإرساء سياسة جبائية عادلة ووضع حد للإسراف والتبذير ومحاربة الفساد.
كما تقترح أيضا تأسيس مؤسسة وقفية للتعليم العالي، وإشراك الطلبة ومنظماتهم المدنية والنقابية والمجتمع المدني في الرقابة على مختلف عمليات التدبير المتعلقة بالشأن الجامعي، دعوة وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي إلى تقنين التكوين المستمر من أجل تفادي المشاكل التي تترتب على تدبيره وانفلاته من أي رقابة.
البحث العلمي:
لإصلاح هذا المجال وتجاوز أعطابه تقترح المذكرة العمل على صياغة استراتيجية وطنية في مجال البحث العلمي مع بلورة سياسة ذات بعد جهوي، وخلق مراكز جهوية للبحث مجهزة تجهيزا كاملا، وتحتوي على الأدوات والمعدات اللازمة على صعيد الجامعات، وتكثيف التعاون في مجال البحث العلمي وتنويعه وتشجيعه على مستوى المغرب العربي- الإسلامي وعلى المستوى الدولي، إضافة إلى إنجاز اتفاقيات مع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية من أجل ربط الجامعة بالتنمية.
وتؤكد المذكرة على ضرورة قيام الدولة بدورها الأساسي في تمويل وتحفيز البحث العلمي وتوفير شروطه المادية والبشرية، وإطلاق وتأسيس مبادرة صندوق الوقف من أجل البحث العلمي، والقيام بحملات تحسيسية وإعلامية موجهة قصد التعريف بأهمية البحوث الجامعية المنجزة وقيمتها، وفصل الاعتمادات المخصصة للبحث العلمي عن ميزانية التسيير والرفع منها بما يساير تطور البحوث، وتبسيط مسطرة التمويل والصرف ومسطرة إبرام العقود والصفقات المتعلقة بالبحث العلمي. ثم تشجيع الندوات والمحاضرات والملتقيات الجامعية ذات الطابع الثقافي والعلمي والمعرفي وتحفيز الباحثين على المشاركة فيها، والاهتمام بالعلوم القانونية والإنسانية والاجتماعية والتقنية والمساواة في الدعم والتمويل، و اعتبار البحث العلمي الوظيفة الاساسية للتعليم العالي، والتوقف عن مهننة الجامعة المغربية، والإلغاء الفوري لنظام الإجازات المهنية في علوم التربية، مع تشجيع البحث التربوي واستثماره.