صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

في ذكرى وفاة الشيخ فريد الأنصاري الدكتور قاسمي يكتب: “فريدالأنصاري: مسيرة علم وتربية ودعوة”

بقلم: محمدقاسمي- عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة سابقا

مضى على رحيل فارس المنابر، وفصيح المحاضرات، ورباني التعليم والتدريس، الفقيه النحرير، والأصولي النظار، والداعية المربي، فريد بن الحسن الأنصاري عِقد من الزمن، فغاب عنا شخصُه وبقي ذكره في النفوس والمهج بعلمه في الندوات والدروس. ولا شك أن بين أفراد الأمة رحمَ العلم والدعوة المقتضيين للوصل لا الفصل، والبِرِّ لا العقوق، فكان حَريا بمن أحب فريدا وأخذ عنه بالمباشرة أو بالواسطة أن ينهج نهجه ويسلُك سبيلَه ويقتفي أثره.
وهذه السطور القليلة ترمي إلى تذكر هذا العلُم في جوانب ثلاثة اشتهر بها، وتلمس الناسُ أثرها في كلامه وخطبه وكتاباته، وأعني بها مجالات: العلم، والتربية والدعوة.
فريد الأنصاري معلما:
يُجمع من تعلم على يدي الشيخ وجلس إليه حسًّا أو معنى على إمامته في باب التعليم والتدريس، فقد كانت دروسه في الجامعة منهجية وقاصدة، جامعة بين عمق الـتأصيل وبساطة التعبير، وسهولة التنزيل، فاستطاع رحمه الله اختراق صفوف الطلاب واستهواء قلوبهم وعقولهم، فلم يقف الأمر عند طلبة العلوم الشرعية بل تجاوزهم إلى طلبة من تخصصات معرفية متنوعة، فكان المُدرج الجامعي يغص بالطلاب من شتى الشعب العلمية والأدبية، تماما كما كان رحمه الله في مرحلة الطلب مترددا على شعب أجنبية عن تخصصه الشرعي، فتراه يحضر مجالس العربية ودروس الفلسفة وعلم الاجتماع، فكان تكوينه متكاملا وجامعا بين علوم الآلة، والمعارف العقلية، والفسفية، والاجتماعية، إلى جانب تكوينه الأصيل والأصلي في العلوم الشرعية.
إن خصال فريد العلمية في جانب التعليم والتدريس يسائل الأوساط العلمية الجامعية وغير الجامعية في مدى إتقان الصنعة التدريسية، وقدرة المُحاضر والمدرس على استهواء طلبته وتلامذته، وكسب قلوبهم وتزكية عقولهم، والرقي بمعارفهم إلى أسمى المدارج وأسنى المراتب.
ولا يغيب عنا في هذا السياق التنويه بإمامة فريد في الكتابة والتأليف، فكما كان موفق اللسان، كان موفق البنان، ويشهد لهذا كتبه الأكاديمية والتربوية والدعوية، فهي كتب صيغت بلغة الفقيه الأصولي، ونظمت فقراتها بأسلوب الفصيح البلاغي، ولُمت أفكارها بفكر المربي الداعي إلى التجديد والإصلاح، فجاءت مؤلفات بنفس علمي وبقصد إصلاحي وبأفق قرآني.
فريد الأنصاري مربيا:
يمكن تلخيص سيرة فريد رحمه الله في أنها سيرة رجل تربية وتزكية، لا تكاد تجد خطبة، أو درسا، أو كتابا، أو مقالة، إلا والنفس التربوي حاضر فيها، والبعد التزكوي ثاو في مفصالها. فالعلم والدعوة عنده من أجل التربية، تربية العقول وتزكية القلوب، ويظهر هذا البعد التربوي جليا في أعمال منها (التوحيد والوساطة في التربية الدعوية، وسلسلة مجالس القرآن، ميثاق العهد) وغيرها.
ولا يفوتنا هنا التنبيه على مصدرية القرآن الكريم عند فريد في التربية والتزكية، ولهذا جعله رحمه الله محور دعوته وركن نشاطه العلمي والمعرفي، فكانت كل مجالسه الأخيرة على الخصوص دعوة بالقرآن وإلى القرآن، وتزكية بالقرآن وتعليما بالقرآن، وهذا لا ينفي اشتغاله بالقرآن قبلُ.
إن كل دعوة أو إصلاح أو تعليم أو تزكية لا تقوم على أساس قرآني ولا تجعل من القرآن موجِّها لها ومرشِدا لمسارها فإنها دعوة عمياء لا ترى بنور القرآن، وصماء لا تسترشد بهُدى القرآن، وهذا ما أكده فريد في ختام حياته، ودونكم محاضرته النفيسة التي جعل “حقيقة الوحي” عنوانا لها، فقد اختزلت تجربته مع القرآن الكريم تعليما وتربية ودعوة.
فريد الأنصاري داعيا:
لم يكن الأنصاري رجل علم ومحاضرة وتدريس وتربية فقط، بل كان داعية إلى الله تعالى، فلم يمنعه نشاطه الأكاديمي وانشغالاته البحثية عن أداء الواجب الدعوي المنوط بعلماء الأمة، فكان رحمه الله يخرج زكاة علمه ليستفيد منها الناس في المساجد والمحافل الدعوية، فحق وصفه بفارس الدعوة.
إن سر نجاح دعوة فريد رحمه الله اعتمادها البيان القرآني هدى منهاجيا، فكان لا يحيد عن مقاصد القرآن في البيان والإيضاح، فتراه يستعمل الفصيح من الكلام وينأى عن الوحشي من التعبير، يحب التمثيل بما في واقع الناس وأعرافهم، فاستطاع بذلك مخاطبة العلماء والعامة، واستعمل في ذلك لسان القوم، فلم يستنكف عن التعبير بالكلام الدارج مُدرِجا له في كلامه العربي الفصيح، فلا ترى فيه انقطاعا ولا تلمس منه اضطرابا، والسر في ذلك قوة عارضته في العربية وزكاء خطابه القرآني، فكان ربانيا بما تحمله الكلمة من معاني التعهد والتدرج في الدعوة إلى الله.
وقبل ختم هذه السطور لابد من التأكيد على أن استرجاعنا لخصال وأعمال الدكتور فري الأنصاري لم يكن تعصبا للرجل، ولا تقديسا لأفكاره وكتاباته، وإنما هو شيء من الوفاء له ولمنهجه القرآني الإصلاحي، ولا خير في أمة لا تعرف لعلمائها ومصلحيها حقهم، فاللهُ تعالى جعل من سنة الحياة البناء على جهود الغير، فكان من الواجب الأخلاقي الاستمرار في النفس الدعوي وخدمة الدين تعليما وتربية ودعوة، وما فريد إلا حلقة نيره من حلقات علماء ومصلحي هذه الأمة الذين لن ينقطعوا إلا بانقطاع هدى القرآن العظيم.
ونسأل الله أن يجدد الرحمات على فريد وجميع أموات المسلمين، وأن يسخر من أبناء الأمة من يواصل حمل مشعل العلم والتربية والدعوة والإصلاح، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين.

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: