صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

في ذكرى تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب..الحارثي والعلوي يكتبان: “أوطم..موجز عن النشأة والتطور”

في الذكرى 63 تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب

أحمد الحارثي- الرئيس السابق لمنظمة التجديد الطلابي

مصطفى العلوي- نائب رئيس منظمة التجديد الطلابي

 

يعتبر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منظمة طلابية نقابية تأسست سنة 1956، تتويجا لمسار العديد من الجمعيات والتنظيمات الطلابية السابقة، مثل جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا (1927) والجمعية العامة لطلاب الرباط (1947)، واتحاد الطلاب المغاربة بفرنسا (1950)[i]. وقد لعبت هذه المنظمة دورا كبيرا في إفراز نخب سياسية وازنة منها الموالي للنظام المغربي ومنها المناهض له، واستطاعت أن تفرض نفسها في المشهد السياسي المغربي في لحظات تاريخية مفصلية، كما عانت من التوظيف السياسي المفرط الذي ورطها في صراعات سياسية محتدمة.

إن هذا الزخم الذي صاحب تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سيتجلى في أهم المنعطفات التاريخية التي عرفها الإطار الطلابي:

  1. من التأسيس إلى الحظر القانوني (1956/1973)

تأسس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في ظل هيمنة أجواء الاستقلال التي جعلت المغرب في حاجة إلى مؤسسات تقيم صلبه وتثبت قدرته على استلام زمام الأمور باستقلالية تامة عن أي تدخل خارجي[ii]. وفي سياق سياسي عرف هيمنة حزب الاستقلال صاحب شرعية النضال الوطني ضد الاستعمار[iii]، والذي كان يتهمه خصومه السياسيون بمحاولة تكريس نظام الحزب الوحيد بالمغرب.

هذا الواقع سيفرض نفسه على المنظمة الطلابية “أوطم” التي هيمن عليها حزب الاستقلال، معتبرا إياها قطاعا طلابيا موازيا له طيلة الفترة من 1956 إلى 1958، خصوصا وأنها اعتبرت امتدادا للحركة الوطنية. فقد اكتفى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مؤتمريه الأول والثاني بتأييد الحكومة -التي كان يهيمن حزب الاستقلال على تشكيلتها- ومساندتها. وبالتالي مهادنة “نظام الحكم القائم” التي كان من أهم تجلياتها اختيار الأمير الحسن رئيسا شرفيا للمنظمة الطلابية عند الإعلان عن تأسيسها[iv].

إلا أن التحولات التي سيعرفها المشهد السياسي المغربي[v]، والتناقضات التي ستنضج في حزب الاستقلال[vi] تزامنا مع المؤتمر الثالث للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ستجعل “أوطم” ينتقل من التبعية لحزب الاستقلال إلى التبعية لحزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” المنشق عن حزب الاستقلال، انطلاقا من مؤتمره الرابع المنعقد في غشت 1959[vii]، غير أن سقوط حكومة عبد الله إبراهيم وإعلان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية معارضته للنظام، سيدفع بالمنظمة الطلابية في مؤتمرها الخامس المنعقد بالدار البيضاء في يوليوز 1960، إلى التنديد بالطابع غير الديمقراطي للنظام القائم، وبالقمع المسلط على حركة المقاومة وجيش التحرير. وإذ سيُعمق المؤتمر السادس المنعقد بأزرو في يوليوز  1961 من هذه المعارضة، فإن المؤتمر السابع سيعلن ويدعو إلى مقاطعة مشروع الدستور الذي اقترحه الملك سنة 1962، عطفا على نفس الدعوة التي أطلقها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ومع المؤتمر الثامن المنعقد في يوليوز 1963 سيعبر “أوطم” عن رغبته في إسقاط النظام القائم تماشيا مع الخيار الثوري الذي بدأ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يلوح به انطلاقا من سنة 1963[viii]. وفي المؤتمر التاسع المنعقد في شتنبر 1964 سترفع المنظمة الطلابية شعار إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وجميع المناضلين التقدميين[ix].

في حين انعقد المؤتمر العاشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في أكتوبر 1965 تحت شعار “الأرض للفلاحين والمعامل للعمال والتعليم للجميع”، مع اهتمام خاص بالمسألة التنظيمية حيث سيتم خلق أجهزة “قاعدية” للتنظيم الطلابي[x]، وسيكرس المؤتمر الحادي عشر المنعقد في يوليوز 1966 الواقعية السياسية للمنظمة الطلابية تحت شعار “العمل من أجل رفع الحظر عن الجامعة واحترام الحرية النقابية”، وفي المؤتمر الثاني عشر  المنعقد عام 1968 متأخرا سنة عن موعد انعقاده -بسبب منع السلطات-[xi]، ستُهيمن أجواء هزيمة العرب أمام “إسرائيل”، واستمرار الأزمة العامة (السياسية، الاقتصادية والاجتماعية..) التي تعيشها البلاد، الأمر الذي سيبرز من خلال دعوته إلى رفع حالة الاستثناء وإقامة حكومة وطنية مرتكزة على المنظمات التقدمية بالأساس[xii].

لقد كان المؤتمر الثاني عشر إعلانا عن نهاية مرحلة تبعية المنظمة الطلابية “أوطم” للاتحاد الوطني للقوات الشعبية وافتتاح مرحلة جديدة للمنظمة ستتحكم فيها مجموعة من المتغيرات السياسية والإيديولوجية، الدولية والمحلية.

ومع انعقاد المؤتمر الثالث عشر  في يوليوز 1969، سيتحول التوظيف السياسي لــ “أوطم” من قطاع حزبي موازي إلى أداة سياسية للتغيير/حزب ثوري، مع نشوء التيار الماركسي اللينيني، الذي بدأ حضوره انطلاقا من هذا المؤتمر، ومن خلال مضامين الأوراق المنبثقة عنه. هذا الحضور سيتعزز مع المؤتمر الرابع عشر المنعقد في دجنبر 1970، من خلال إعلان هذا التيار عن نفسه كفصيل جديد باسم “الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين”، الذي كان بإمكانه السيطرة على قيادة المنظمة الطلابية لولا اختياره التراجع عن ذلك لاعتبارات سياسية[xiii]، إلى المؤتمر الخامس عشر المنعقد سنة 1972، الذي تأخر عن موعده بسنة وشهد هيمنة واضحة لليسار الجديد، انعكست في بيان المؤتمر  من حيث الجرأة والتعبير عن مواقف تنديدية بالقيادات السابقة للمنظمة الطلابية وبـ “النظام القائم”، كما سيسجل المؤتمر انحرافا سياسيا تمثل في تأييده للنزعة الانفصالية بالأقاليم الجنوبية للبلاد.

والخلاصة أن البيان اختزل استراتيجة حزب ثوري وليس منظمة نقابية، مما سيدفع “قوى الحكم القائم” إلى إعلان الحظر القانوني للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بتاريخ 24 يناير 1973[xiv].

  1. مرحلة الحظر القانوني (1973-1979)

أمام تزايد أهميتها، شكلت مواقف الحركة الماركسية اللينينية المغربية ضد “النظام القائم” والأحزاب السياسية المعروفة بطابعها الإصلاحي التقاءً موضوعيا بين الطرفين دفعهما إلى إعمال مراجعات والوقوف على تحديين أساسيين:

– المؤسسة العسكرية.

– تصاعد جماهيرية الحركة الماركسية اللينينية (اليسار الجديد).

هذا الالتقاء الموضوعي سيقود الطرفين إلى تحقيق “إجماع وطني” حول قضية استكمال الوحدة الترابية، وإلى تنظيم انتخابات جماعية سنة 1976 وانتخابات تشريعية سنة 1977 لاستكمال الوحدة “المؤسسية”، في تكريس واضح للنزعة الإصلاحية لدى أحزاب الحركة الوطنية والقضاء على الاتجاهات الثورية، الأمر الذي انعكس على الفضاء الجامعي بصدور ظهير 25 فبراير 1975 المتعلق بتنظيم الجامعات، وإصدار وزير التعليم العالي لقرار بتاريخ 12 غشت 1976 يرمي إلى فرض “تعاضديات إدارية” لتمثيل الطلبة، لاقت استياءهم ورفضهم.

لقد أوحت هذه الإجراءات بإنعاش “الإصلاحية” على مستوى الساحة الطلابية، مما سيشكل سياقا لرفع الحظر القانوني عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في نونبر 1978، دفعاً للحركة الطلابية نحو الانخراط في المسلسل الديمقراطي، وتعزيزا للإجماع الوطني حول مغربية الصحراء، ومن ثم كان الرهان على المؤتمر السادس عشر المنعقد سنة 1979 لتحرير المنظمة الطلابية من إرث المؤتمر الخامس عشر، وهو ما تجلى بالأساس في هيمنة الفصائل الحزبية “الإصلاحية” على قيادة المؤتمر، والتي ستفشل في تحقيق هذه الأهداف بفعل استمرار الموقف المعادي للوحدة الوطنية مع “الطلبة القاعديين”، وسيستمر الموقف المناهض للمسلسل الديمقراطي مع رفاق الشهداء، وهما الفصيلان اللذان سيحضران بقوة في المؤتمر السابع عشر سنة 1981[xv].

  1. الأزمة المفتوحة (1981/…

مع الفراغ الذي تركه المؤتمر السابع عشر، بعد انسحاب الطلبة الاتحاديين المعلن، وانسحاب طلبة “التقدم والاشتراكية” غير المعلن،  وبروز خلاف حاد بينهم من جهة وبين “رفاق الشهداء” و”الطلبة القاعديين” من جهة أخرى، سيقترح طلبة فصيل رفاق الشهداء فكرة تبناها المؤتمرون، وهي: تأجيل المؤتمر وعقد مؤتمر استثنائي، وتجديد الثقة في الأعضاء غير المنسحبين من اللجنة التنفيذية. لتدخل الساحة الجامعية فراغا تنظيميا امتد من سنة 1981 إلى 1988، ستعقبها محاولات لهيكلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ما بين 1989 و1996 باءت كلها بالفشل نتيجة التباين العميق في الرؤى بين مكونات المنظمة الطلابية.

إن هذه الأزمة ستبقى مفتوحة، بل ستتعقد مع بروز الطلبة الإسلاميين مطلع التسعينات واختيارهم العمل من داخل المنظمة الطلابية. إلى يومنا هذا، الأمر الذي لم يعد فيه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلا هيكلا فارغا من أي مضمون، تتصارع حوله الفصائل من خلال سعي  كل فصيل إلى احتكار المنظمة الطلابية[xvi].

الهوامش:

[i] كمال الغزالي، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: المسيرة والاختيارات 1956-1997، مطبوعات الهلال، الطبعة الأولى، 1997، ص 7.

[ii] لقد عرفت هذه المرحلة تسريعا في تأسيس بعض مؤسسات الدولة الكبرى، من ضمنها تأسيس القوات المسلحة في 14 ماي 1956 وجهاز الأمن الوطني (الشرطة المغربية في 16 ماي 1956)، وإحداث المجلس الوطني الاستشاري في 12 نونبر 1956. انظر: كمال الغزالي، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: المسيرة والاختيارات، مرجع سابق، ص 9.

[iii] عبد الهادي بوطالب، نصف قرن في السياسة، منشورات الزمن، سلسلة شرفات، الكتاب السادس، 2001، ص 80.

[iv] مقابل هذه المهادنة، منحت السلطة عدة امتيازات للمنظمة منها: استدعاء رئيسها للحضور في المناسبات الرسمية، واعتبارها جمعية ذات منفعة عامة. انظر: محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب 1956-1996، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، الطبعة الأولى، 1996، ص 44-45.

[v] عبر حزب الاستقلال عن رفضه الاستمرار في المشاركة في الائتلاف الحكومي، فتقدم وزراؤه بالاستقالة من الحكومة الائتلافية الثانية بتاريخ 15 أبريل 1958، مما سرع بإسقاطها وتأسيس “حكومة منسجمة” بتاريخ 12 ماي من نفس السنة. انظر: محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب 1956- 1996، نفس المرجع، ص 45.

[vi]لم يكن الحزب يشكل تنظيما متماسكا، بل كان عبارة عن جبهة تضم عدة تيارات، لكل منها تصوراته وتوجهاته، تيار “السياسيين التقليديين”، ثم “التيار النقابي” ثم “حركة المقاومة وجيش التحرير”.

[vii] تجلى في دعم حكومة عبد الله إبراهيم التي شُكلت بتاريخ 24 دجنبر 1958، وضمت بعض الأعضاء المؤسسين للحزب الجديد.

[viii] انعقد المؤتمر الثامن سنة 1963 بالدار البيضاء في جو مشحون بالقمع والاعتقالات والمضايقات، تعرض لها كل المناضليين “التقدميين” من الحزب ومن النقابة الطلابية (خصوصا بعد إعلان النظام اكتشافه مؤامرة تستهدف إطاحته)، في وقت كان يشهد فيه العالم مدا ثوريا أطرته المنظومة الاشتراكية، انعكس على تصاعد حجم الأحزاب الاشتراكية بالعالم العربي واشتداد الحرب الباردة، مما سيؤثر على ذهنية المنظمة الطلابية التي ستتبنى كل المضامين السياسية والنقابية والإيديولوجية للقوى “التقدمية”. انظر: كمال الغزالي، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: المسيرة والاختيارات 1956- 1997، مرجع سابق، ص 18.

[ix] إن التراجع عن المطالبة بإسقاط النظام إلى المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين هو في الواقع انعكاس لتحول حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نحو الواقعية السياسية المعبر عنها بالنزعة الإصلاحية التي ستحضر إلى غاية 1968. انظر: محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب 1956- 1996، مرجع سابق، ص 50.

[x] انعقد هذا المؤتمر في ظرفية سياسية خاصة:

  1. أحداث الدار البيضاء بتاريخ 23 مارس.
  2. إعلان حالة الاستثناء بتاريخ 7 يونيو.
  3. استفادة قادة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من عفو ملكي، مما مكنهم من السعي نحو معالجة المسألة التنظيمية والهيكلية للحزب.

انظر: محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب 1956-1996، مرجع سابق، ص 50.

[xi] كمال الغزالي، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: المسيرة والاختيارات 1956-1997، مرجع سابق، ص 29.

[xii] للاطلاع بشكل واسع على هذه المرحلة، انظر:

– محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب 1956-1996، مرجع سابق، ص 43-52.

– كمال الغزالي، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: المسيرة والاختيارات 1956-1997، مرجع سابق، ص6-32.

[xiii] لقد كان التراجع عن تسلم القيادة، رغم توفر الفرصة لذلك، تكتيكا راهن من خلاله الطلبة الجبهويون على إظهار عجز القيادات الاتحادية وعلى حيوية التعبئة العامة بين الطلبة. انظر: محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب 1956-1996، مرجع سابق، ص 56.

[xiv] نفس المرجع، ص 65.

[xv] نفس المرجع، ص 71.

[xvi] نفس المرجع، ص 83.

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: