صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

الصالحي يكتب: معركة لهري من الأيام الخالدة في الذاكرة المغربية

في الذكرى 105 لمعركة لهري

بقلم: عبد الغفور الصالحي- عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة

استطاعت فرنسا ومعها إسبانيا احتلال المغرب سنة 1912 بموجب معاهدة الحماية، لكنهما دفعا ضريبة هذا الاحتلال باهضا، فقد استطاعت القبائل المغربية تسطير ملاحم خالدة قاومت خلالها ذلك الاحتلال الغاشم وأذاقته مرارة الهزائم، وقدمت بذلك للأجيال اللاحقة دروسا في الكفاح والتضحية في سبيل الدين والوطن.

واليوم تحل علينا الذكرى 105 لمعركة لهري، وهي واحدة من الأيام الخالدة في تاريخ المغرب المعاصر، حيث سنحاول من خلال هذه الأسطر تسليط الضوء عليها إحياء لذكراها وذكرى قائدها موحا أحامو الزياني.

كان موحا أوحمو الزياني قد عين قائدا على قبائل زيان سنة 1887 وعمره لا يتجاوز العشرين، وقد عرف بالذكاء والشجاعة، وكان موقفه تجاه التدخل الأجنبي في المغرب متأثرا باتجاه المقاومة الذي تبناه جمع غفير من علماء المغرب، واعتبر أن الاعتداء على أي شبر مغربي هو اعتداء عليه، فلم يذخر جهدا في نصرة إخوانه في كل ربوع المغرب فدفع برجاله في معارك الشاوية عام 1908 وشارك في معارك القصبية عام 1913، مما دعا ليوطي إلى محاولة استمالته بالهدايا النفيسة الوعود المعسولة، وهو الشيء الذي لم يتأتى لليوطي، لتتجه الأمور إلى الصدام العسكري بين موحا والقوات الفرنسية.

كان من دوافع معركة لهري السيطرة الموقع الاستراتيجي للأطلس المتوسط الذي يربط بين فاس ومراكش وبني ملال ومكناس ووجدة، فهو معبر لتموين القوات الفرنسية المنتشرة في أطراف المغرب وإمدادها بالرجال والعتاد، إضافة إلى وفرة الثروات الحيوانية وغنى الغطاء النباتي. وهذا ماجعل الفرنسيين يدفعون بثلاثين ألف من مقاتليهم لاستأصال شأفة موحا ورجاله يقودهم الجينرال هينريس المعروف بحنكته وتجربته، وقد تقدمت قوات هنريس إلى خنيفرة التي عسكر فيها موحا رفقة جنوده المنتمين إلى الأطلس المتوسط وباقي القبائل الأطلسية المجاورة.

لم تكن المواجهة متكافئة بين الطرفين بالنظر إلى تفوق القوات الفرنسية عددا وعدة على قوات موحا أوحمو، التي لم تكن تتجاوز 2500 مجاهد كما عبر عن ذلك الجينرال كيوم، معتمدين على الشجاعة والمهارة وسرعة الحركة في حسم معاركهم، لجأ موحا إلى الجبال المجاورة ليتحصن بالتضاريس الوعرة والتي يدرك مدى فاعليتها في إيقاف زحف خصومه، ثم بدأ في حرب استنزاف بشن غارات متوالية مما كبد الفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وجعلهم يحسون أنهم يخضعون لحصار رهيب، واتخذ موحا من قرية لهري مقرا لعملياته، فتقدم الفرنسيون نحوه ليلة 13 نوفنبر 1914 لمباغتته معززين بالمدفعية، فبدأت القوات الفرنسية بإشاعة الرعب وهدم البيوت والقتل، فاندفع إليهم الزيانيون مؤازرين بعدد من القبائل الأخرى فطوقوهم من كل ناجية مستخدمين ما طالته أيديهم من فؤوس وخناجر و بنادق، فردوهم خاسرين وهزموهم شر هزيمة وتبعوهم في الأودية والهضاب المجاورة يقتلون ويأسرون إلى أن أعلن من تبقى منهم استسلامه للقائد موحا أوحمو.

كانت من نتائج هذه المعركة أن قال الجينرال كيوم: “لم تُمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة”.

لقد أدرك أبناء الأطلس ألا خيار لردع المعتدين سوى السلاح، فالتفوا حول موحا أوحمو الزياني الذي أظهر براعته في التخطيط والقيادة، مما عرقل تقدم القوات الفرنسية على مدى سبع سنوات كاملة تكبدت فيها جيوشهم خسائر هائلة.

لقد سطرت قبائل الأطلس المتوسط بقيادة موحا أوحمو الزياني تاريخا مجيدا من المقاومة المسلحة ضد المستعمر الفرنسي، استطاعت من خلالها أن تذيق المستعمر  طعم الهزائم.

لقد شكل موحا أوحمو الزياني و غيره من المقاومين المغاربة الذين لا يسع المجال لذكرهم رموزا تجتمع حولهم القبائل المغربية التي تحركت انطلاقا من عقيدتها الإسلامية وانتمائها الوطني  لصد العدوان والاحتلال الفرنسي الإسباني في ظل ضعف الدولة وهوانها، وفي ظل أوضاع سياسة واقتصادية وعسكرية تثبت تأخر المغرب وعدم قدرته على مجارات القوى المحتلة التي تفوقت عليه في كل المجالات سوى مجال التضحية والجهاد.

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: