أدوار الحركة الطلابية في شرحنا الراهن: الحركة الطلابية والمسألة الثقافية (3)
بقلم: محمد زاوي
بقي فكر الحركة الطلابية المغربية، منذ تأسيسها، رهين أنواع من الثقافة المأزومة الناتجة عن وعي غير سديد بعلاقة الطالب بذاته والطبيعة والمجتمع الذي يعيش فيه؛ فأدى ذلك إلى زيف أو اضطراب الوعي الثقافي لدى قيادات الحركة الطلابية وقواعدها. وإن الناظر إلى مختلف الأوراق الصادرة عن المكونات الطلابية سيجد فيها صدى لخطاب ثقافي يبني على تفسيرات غير سديدة (لا تاريخية ولا اجتماعية)، أو إيديولوجيات غير واعية تبحث عن الحقيقة خارج الشرط المغربي. وهذه أصناف لهذا الخطاب:
– ثقافة الانحسار في السياسة/ الجامعة كفضاء سياسي؛ حيث كانت معارك الجامعة -وما زالت- صدى لمعارك سياسية خارجها، وبسبب هذه المعارك بقي الفعل الطلابي حبيس توازنات مؤقتة أشغلته عن الوعي بذاته من جهة، وتكوين خبرة نافعة من جهة ثانية. ولمتسائل أن يسأل: ما الذي قدمته الحركة الطلابية كإنتاج علمي في علوم النفس والطبيعة والاقتصاد والاجتماع… الخ؟ ليجد أنها كانت في ذلك دون مستوى الجامعة التي تنتقدها، وكل ما فعلته أنها ساهمت في رصيد إيديولوجي سرعان ما فقد بريقه مع مرور الزمن.
– ثقافة الصراع مع السلطة/ الجامعة كفضاء للصراع؛ وهي ثقافة مستوردة في جوهرها، إما عن الغرب حيث التناقض واضح بين نظامين اجتماعيين (الإقطاع والرأسمالية) أو بين طبقتين (البورجوازية والطبقة العاملة)، وإما عن تجارب مشرقية واقع الدولة فيها حديث وليس قديما كما هو الحال بالنسبة للمغرب.
– ثقافة السيطرة على الجامعة/ الجامعة كفضاء إيديولوجي؛ حيث يسعى كل مكون طلابي إلى نشر أدلوجته الخاصة وبسط سيطرته على الفضاء الجامعي لفرض نموذجه الفكري الخاص على الطلبة عن طريق وسائل ناعمة (كلمات، منشورات، أمسيات، حلقيات…) أو خشنة (مقاطعات، “محاكمات”…).
– ثقافة العنف الجامعي/ الجامعة كفضاء للعنف؛ فلما كانت الجامعة فضاء لممارسة السياسة من خلال الصراع والسيطرة الإيديولوجية، سرعان ما تحولت إلى فضاء لتبادل العنف بين المكونات الطلابية كل حسب إيديوجيته؛ الإسلاميون بمنطق “نشر الدعوة”، واليسار بمنطق “مواجهة الظلامية”.
في هذا الجو المأزوم والسلبي، أبدعت المكونات الطلابية أعرافا وشعارات، كما تفاخرت ببعض مظاهر الأزمة كجزء من مسارها النضالي؛ لكنها لم تفلح إلى اليوم في تأسيس نموذج ثقافي جديد يحكمه الفعل بدل رد الفعل، ويحول الجامعة إلى فضاء لاكتساب المعرفة والخبرة لا للتدريب على المناورة والخطابة السياسيتين فقط.
وإن الجامعة المغربية في شرطنا الراهن في حاجة إلى تجاوز هذه الثقافات المأزومة وتأسيس نموذج ثقافي جديد قائم على مقاربة جديدة لمواضيع:
– الطبيعة؛ فالإنسان في حاجة إلى تصحيح علاقته بالطبيعة، وتخليصها من الانتهاكات التي تتعرض لها في نظام اجتماعي رأسمالي يفسد السماوات والأرض بالأدخنة والغازات والسوائل الكيماوية ومخلفات الأسلحة؛ بالإضافة إلى ما يمكن أن تقدمه الحركة الطلابية من مساهمة في تنمية استثمار الطبيعة لصالح الجميع، وبما يحقق استثمار العنصر البشري ورفاهيته.
المطلوب: يجب أن تكون للحركة الطلابية رؤية في حفظ الطبيعة واستثمارها.
– الإنسان؛ فعوض أن يتحول الطالب إلى آلة لممارسة الصراع والأدلجة لفائدة تيار إيديولوجي على حساب آخر، وجب إدماجه في معركة ثقافية كبرى يسعى الإنسان من خلالها إلى حفظ فطرته وتحصين ذاكرته وخصوصيته، ووجب توجيهه على النقيض من النزعة الاستهلاكية المتوحشة و”المثلية” الجنسية و”سيولة” قيم الاعتقاد والتفكير والعيش والمعاملات.
المطلوب: يجب أن تؤسس الحركة الطلابية رؤية لحفظ فطرة “الإنسان العالمي” وحماية خصوصيته في شرطه الخاص.
– الدين؛ في بعديه الوجودي والتاريخي. فالطالب في حاجة اليوم إلى تصحيح علاقته بالمسألة الدينية، من خلال التمييز بين: الدين والإيديولوجيات الدينية، الأنطولوجي والتاريخي في الدين، وطنيته وعولميته، خضوعه للسلطة في التاريخ وتحرره منها في نفوس الأفراد، استثماره في البناء واستغلاله في الهدم… الخ.
المطلوب: تحتاج الحركة الطلابية رؤية واضحة في علاقتها بالمسألة الدينية وجدانيا وتاريخيا.
– النفس؛ وهي الحلقة التي ظلت مغيبة في وعي الحركة الطلابية، وإن على سبيل الاستدعاء الإيديولوجي. في حين أن بين يدي الحركة الطلابية المغربية معينين لإدماج المعرفة النفسية في الثقافة الطلابية، معين التراث الصوفي والطرقي، ومعين علم النفس الغربي. فلما لم تنتبه الحركة الطلابية لهذين المعينين، لم يكتسب المجتمع المغربي ثقافة نفسية خاصة به، ولا هي البحوث الأكاديمية السيكولوجية بلورت خطا معرفيا خاصا يفسر الذهنية المغربية.
المطلوب: من مهام الحركة الطلابية إدماج الوعي النفسي في خطابها الثقافي.
– المجتمع؛ الحركة الطلابية في حاجة إلى وعي اجتماعي، في مستوياته المسحية والوصفية، وكذا في مستوياته التفسيرية. وهو ما أغفلته هذه الحركة منذ تأسيسها، إلا فيما ندر. فاستُلِبت بعض مكوناتها، اليسارية بالضبط، في استنتاجات التفسير الاجتماعي الغربي، الوضعاني منه (العلوم الاجتماعية البورجوازية) والتاريخي (نتائج إعمال الماديتين الجدلية والتاريخية في التاريخ الغربي/ الأوروبي)؛ كما أغفلت بعض مكوناتها، الإسلامية خاصة، التفسير الاجتماعي وقواعده. ولهذا السبب لم تتمكن الحركة الطلابية المغربية من وعي وجودها الاجتماعي في الجزء (المغرب) وفي علاقته بالكل (العالم). وأدى هذا العجز إلى مواقف سياسية مضطربة وزائفة فاقمت أزمة الحركة الطلابية وباعدت بينها وبين تحصيل قواعد ناجعة في فهم المجتمع واستشراف منحى تطوره والعوامل المتحكمة فيه.
المطلوب: لتلافي هذا التخلف في المعرفة الاجتماعية تحتاج الحركة الطلابية إلى معرفة الكل (قواعد التاريخ) والجزء (تجسيدها في الحالة المغربية).
– الدولة؛ فقد راجت في الجامعة المغربية أطروحات ماركسية تقول إن “الدولة هي مجموع الأفراد، وإن الأسبقية للمجتمع حيث الإنتاج على الدولة”، وأخرى إسلامية اضطرب وعي أصحابها بين مقولات “الدولة الإسلامية، الخلافة، الأمة، النصيحة”… ولم تنتبه أي أطروحة منهما إلى أن للدولة نظاما وقواعد خاصة في مستواها النظري حيث تتمايز البنى وتتداخل أيضا (راجع “نظرية الدولة” لنيكوس بولانتزاس)، ولا أن لها تجسيدا خاصا في الواقع السياسي المغربي بما هو تركيب بين القديم والحديث.
المطلوب: تحتاج الحركة الطلابية إلى جرعات زائدة من الوعي بالدولة في النظرية والشرط التاريخي الخاص.
– الوطن؛ فالقضية الوطنية تحتاج صدى لها في الجامعة، ليس لفائدة تيار دون آخر، بل لمصلحة الوطن؛ وهو ما يمكن أن يشكل أرضية للحوار والتعاون بين المكونات الطلابية، إذ الغاية واحدة هي الدفاع عن القضية الوطنية والارتباط بعناصر الهوية الوطنية، أو تلك التي تتكثف فيها هذه الهوية. إن قلة اهتمام الحركة الطلابية بالقضية الوطنية أفرغ الفضاء الطلابي من الثقافة الوطنية، وأضعف القدرة الطلابية على المرافعة دفاعا عن عناصر الهوية.
المطلوب: إنتاج ثقافة وطنية تعكس الشرط التاريخي للقضية الوطنية، وتوحيد المكونات الطلابية في معركة الدفاع عن عناصر الهوية ودعم موقع الدولة أمام خصوم الوحدة الترابية والاقتصاد الوطني.
الانحسار في ثقافة مأزومة جُرِّبت قديما فاصطدمت بحائط مسدود؛ هذا الانحسار ينهي ما تبقى من نتائج الأزمة، فتفقد الجامعة قدرتها الشعبية (الطلابية) ليس على المساهمة في العمل الوطني فحسب، بل أيضا على تحقيق المكتسب الاجتماعي لفائدة الطلاب. الدفاع عن الوطن، عن الدولة، دفاع عن المجتمع ضمنيا وبالتبع؛ ومن يقلب المعادلة يسبح عكس التيار!