صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

في حاجة لثقافة “الطريق الثلاث” بقلم محمد تمريرت

محمد تمريرت- نائب الكاتب المحلي لفرع المحمدية

يعد عالم الاجتماع أنطوني جيدنس، من المنظرين للطريق الثالث وقد أصدر في ذلك عام 1989 كتابه “الطريق الثالث: تحديد الديمقراطية والاشتراكية”، والمفهوم بشكل مختصر يعبر عن الوسط بين مفهومي الليبرالية الاقتصادية والاشتراكية الماركسية، فهو أسلوب يوائم بين رأسمالية السوق الحر والمفهوم الكلاسيكي عن الأمن والتضامن الاجتماعي…وبمقابل ذلك في الثقافة الإسلامية هو ما يعبر عنه “بالوسطية والاعتدال”، والوسطية: هي العدل والخيار، وهي أحسن الأمور وأفضلها وأنفعها للناس وأجملها، كما تُعرّف على أنّها الاعتدال في كلّ أمور الحياة في منهاجها وتصوراتها ومواقفها، “فالوسطية” ليست مجرد موقف بين الانحلال والتشديد، بل تعتبر موقفاً أخلاقياً وسلوكياً ومنهجاً فكرياً.

و”الاعتدال” هو: الاستقامة، والاستواء، والتزكية، والتوسط بين حالين، عدم مجاوزة الحدّ المطلوب أو القصور عنه، كما يعرف على أنّه الاقتصاد والتوسط في الأمور، وهو أفضل طريقة يتبعها المؤمن أو الفرد من أجل تأدية واجباته نحو ربّه، ونحو نفسه.

وإني أستعرض هذه المفاهيم محاولا البحث عنها في مفاهيمنا الثقافية والسلوكية والفكرية، ومتسائلاً أين ضاع “الطريق الثالث” أو “الوسطية و الاعتدال” في بعض القضايا الشائكة أحيانا لدى المغاربة؟؟ ويمكن ملامسة ذلك في مجموعة من القضايا، نذكر منها على سبيل المثال:

1) خلال حكومة التناوب الأولى، قدّم محمد سعيد السعدي أنداك، كاتب الدولة المكلف بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة، ما عُرف ب”الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، التي خلفت جدلا واسعا بين الإسلاميين من جهة، وعبروا عن ذلك بمسيرة حاشدة في الدار البيضاء ضدها، وبين القوى الحداثية من جهة أخرى، التي ردت بمسيرة مضادة في العاصمة، ليدخل بعدها المغرب في أزمة حقيقية وصل معها الوضع إلى مرحلة التحكيم الملكي، وتدخله لتكوين لجنة استشارية متعددة الاختصاصات لاقتراح مراجعة جوهرية لمدونة الأحوال الشخصية، وتوج ذلك بصدور مدونة الأسرة… وغيرها من القضايا الخلافية التي انتهت بتحكيم ملكي. وإن كان حزب البديل الحضاري آنداك قد عبر على تمايز بين الرأيين والوسطية في الموقف.

2) قضية التعقاد التي كان خصماها طرفان، طرف تمثله وزارة التربية والتكوين، عندما قالت الحكومة بإقرار فلسفة جديدة في التوظيف ترتبط بالتعاقد خاصة في قطاع التعليم، سعيا منها في تنزيل سياستها الممثلة في “تخفيف الانفاق الاجتماعي”، واعتمادها على المغادرة الطوعية كفرصة لتسريح أكبر عدد من الموظفين وتخفيف الثقل على صناديق التقاعد وخزائن الدولة… وطرف آخر يمثله الأساتذة المتعاقدون أو كما يسمون أنفهسم “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، فخاضوا مجموعة من الإضرابات والأشكال الاحتجاجية، ممارسين حقهم الكامل في الاحتجاج، سواء اتفقنا معهم أم لم نتفق..، غير أن طريقة الاحتجاج ربما أو طريقة تعبيرهم عن رفضهم لهذا التعاقد لم يكن بالشكل المطلوب، وبالتالي استمرار التأزم والارتباك في المدارس العمومية، و يتحمل التلميذ تبعات ذلك دون الوصول إلى حل مناسب.

3) قضية “الدكتور محمد الفايد”، وإن كانت لا ترقى أهمية مع باقي القضايا، غير أنها تعكس نوع من التقاطب الحاد في النقاش الفكري في صفوف المغاربة، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ انقسم النقاش على رأيين متضاربين، بين من يؤيد بشكل مطلق كل ما يقوله د.محمد الفايد، واعتباره عالما في مجال تخصصه أي “طب التغدية”، وبين من يعترض عنه واعتباره “عشابا” وليس بطبيب، ورفض كل ما يقوله بحجة عدم مصداقية كلامه الذي لا يستند إلى سند علمي تجريبي، حسب زعمهم.

غير أنه يمكن القول أن الدكتور محمد الفايد له باع طويل وتجربة في تخصصه، لكنه ليس بعلامة ولا يمكن اعتبار كلامه حجة قطعية، وبالتالي فإن السيد محمد الفايد وإن تحول إلى قضية رأي عام بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنه له ماله وعليه ما عليه، و يؤخد من كلامه ويرد.

وعلى سبيل الختم، قد تكون هذه القضايا أمثلة بسيطة ولكنها ذات أهمية، وتعكس طبيعة النقاش المتقاطب بين المغاربة خاصة في صفوف رواد التواصل الاجتماعي، وتعكس بعمق كيفية تناول القضايا الأساسية في المغرب، إذ دائما ما نجد رأيين متضاربين بشكل متصلب، بل أبعد من ذلك أن الرأي الأول ضد الرأي الثاني. بالاضافة إلى أن الأمر لا يقتصر على القضايا الثانوية، ليصل إلى القضايا الجوهرية في الساحة الوطنية، وخير نموذج على ذلك ما أفرزته الاتخابات البرلمانية الأخيرة، حينما حصل حزبان فقط على مراتب متقدمة دون الأحزاب الأخرى، ويتعلق الأمر بحزب العدالة والتنمية (المرتبة الأولى) وحزب الأصالة والمعاصرة (المرتبة الثانية)، لتعكس تلك النتائج التقاطب حتى في التعبير عن الأصوات الانتخابية، فالذين صوتوا للعدالة والتنمية إنما ذلك ضداً في حزب الأصالة والمعاصرة، والذين صوتوا لهذا الأخير فهو ضد في العدالة و التنمية.

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: