بدون مقدمات: الشتاء قادم.
بالفعل “طوطو” هو الوجه الحقيقي لمجتمعنا، لكن لا بمعنى أن أغلب الشعب المغربيّ بذيئ اللسان، مدمن على المخدرات، لا يهمه سوى إرضاء جنون شهواته!
بل المقصود أن “طوطو” هو الوجه الحقيقيّ لفشل مؤسسات مجتمعنا؛ أسرة ومدرسة وإعلاما، في تخريج جيلٍ شبابي يليق بتاريخ المغرب الحضاري، القديم والحديث!
“طوطو” يذكرنا بلا مبالاة الآباء في تربية أبنائهم، وانشغالهم الدائم بإرضاء أبنائهم، بدل تقويمهم وتهذبيهم وتطوير جوانب الخير والفضل فيهم.
“طوطو” يذكرنا أيضا بفشل المدرسة في خلق فضاءٍ تعليمي تربوي، كفيل باستيعاب مختلف التحديات التي تواجه أبناء اليوم.
“طوطو” سيظل يذكرنا، بكل مرارة، بالفقر الشديد الذي يعانيه إعلامنا الرسميّ في خلق برامج ترفيهية تربوية تناسب تطلعات الأطفال، وتبني بداخلهم قيم التعاون وحبّ الخير والشهامة.
ليست هذه الكلمات رثاء يساريا مبتذلا، بقدر ما هي تعبير عن واقعٍ مجتمعي لم يعد يسر أحدا، وما نشاهده الآن، ليس سوى الجزء الصغير من جبل الجليد الضخم المتستر تحت عباءة الزمن.
مستقبلا إن استمر الحال كما الآن أو ازداد سوءا، فسنكون عما قريب أمام جيشٍ من المواطنين الغاضبين واليائسين! جيش سيستمر في التكاثر وخلق نسخ أكثر تشوها، جيشٍ لن يتوقف عن الزحف إلى أن يبتلعنا جميعا، سندفع الثمن عما قريب، جميعا، دولةً ومجتمعا!
التعاملُ مع “طوطو”: بين المزاج المسيحيّ والإسلاميّ.
أصر العديد من الفلاسفة الغربيين على أن المزاج القيمي الحديث ليس سوى مزاج مسيحيّ مُعلمن، بعبارة أخرى فإننا -كمتأثرين بالمزاج الحداثي- نميل إلى التعامل مع كثير من الظواهر كمتدين مسيحيّ، لكنه فقط يستبدل كل ما هو غيبيّ في عقيدته بما هو مادي!
في حالتنا هذه سيطالبُ العديد من المواطنين المغاربة بضرورة معاقبة “طوطو” ومحاصرته إعلاميا وربما مقاطعته والهجوم على حساباته، إنها عقلية الفداء المسيحي؛ حيث نضحي بشخص يحمل عنا جميع خطايانا ويطهرنا!
وهكذا بأفول نجومية “طوطو” نكون قد أصبحنا طاهرين مخلَّصين! ثم نبدأ صفحة جديدة من الاستمرار على نفس النهج الآثم في حقّ أنفسنا ومجتمعنا ووطننا، استهتارا وتخريبا.
في حين أن الأجدى هو أن نتعامل بعقلية المسلم، التي ترى أن:
1. أحد أسباب ظهور الفساد الخُلقي والاجتماعي هو بسبب كسب الناس «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» [الشورى: الآية 30]، ولا مناص من توبةٍ جماعية، نتوب فيها إلى الله معبوداً، وإلى ما يمثله من قيم الخير والفضيلة.
2. المسؤولية جماعية، ولن ينفعنا التعالي الأخلاقي، بأننا لسنا مثل “طوطو” ومعجبيه، والقول بكل زهوٍ نحن صالحون! كل هذا لن يقينا شر الانحطاط الجماعي، «قالوا: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث» [صححه الترمذي]
بهذه العقلية المتواضعة والمسؤولة، يمكننا أن نوقف هذا المد الجارف من الفساد القادم، الذي لن يكون في صالح أي أحد، ولنكف مؤقتا عن الصراعات الهامشية والمنكافات الأيديولوجية، إذا أردنا النجاة الجماعية.
أما إذا فشلنا أن نستجيب حتى لغرائز البقاء فينا من أجل الحفاظ على وجودنا العمراني كأمة مغربية، فسنكون بالفعل غير مستحقين للاستمرار.
آنذاك، لن ينفع البكاء ولا العويل!