صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

“لماذا نحيي ذكرى شهدائنا..!؟” بقلم بوركيبات

محمد بوكريبات- مسؤول قسم التأهيل بفرع مكناس

لا أقصد من تدبيج هذه الأسطر أن أقدم جوابا مقنعا لقارئ متشكك أو متابع مستغرب، ولا أظن أن ما يحمله من معاني ودلالات يصلح أن يكون خطابا للعقل مبنيا على شرائط الاستدلال، أو متوسلا بقواعد التخاطب. وإنما أكتب بريشة الروح على صحائف القلب بمداد الحس المرهف، متعقبا جلال العبارة – ذكرى الشهيد – فيما تضمره من إشارة.
وليس لمن أقبل على هذا المقام أن يتلبس موضوعية متكلفة، بل هي عين الحجاب بينك وبين مقصودك، وفاتحة انصراف المعنى عنك، وانصرامه من بين يديك!

لماذا نحيي ذكرى شهدائنا..!؟

لأننا نحب الحياة…ونهاب الموت، والحياة كما أنها خصيصة الإنسان ممثلة في أفعاله وانفعالاته، فإنها خصيصة للمعاني أيضا. وإذا كانت أفعالنا وانفعالاتنا تنتهي بانتهاء طاقة الجسد وخمود حركته، فإن المعاني الموصولة بالروح تحيى إلى الأبد. ولأن شهداءنا لم يموتوا حبا في الموت، وإنما دفاعا عن الحياة، فلا إكرام لهم، ولا اعتراف بجميلهم يبلغ مقام جعلهم معاني، وأي المعاني أنسب من تلك التي قضوا نحبهم في سبيلها!
فتحيى ذكراهم بحياة تلك المعاني، ويستمر أثرهم بأثرها، يستلهمها هذا في دفاع عن مظلوم أو تنفيس عن مكروب، ويستعين بها ذاك في مكابدة ابتلاء ومدافعة باطل.
وإذا كان فعلك بحياة الجسد محدودا بحدود المكان والزمان، فإن فعلك في حياة الروح لا تحده تضاريس الجغرافيا، ولا يعترف بالتاريخ ماضيا وحاضرا ومستقبلا، لأنه فوق هذا وذاك، لأنه خالد..!
وأنت إذ ترقى بالشهيد من مرتبة الشخص المتعين بالخارج، إلى مرتبة المعنى المحمول في النفس ، فإنك تجعل منه وجدانا جماعيا وبوصلة موجهة وخارطة طريق، تحيي بها شعلة القضية داخل الأرواح الميتة، وتوجه من خلالها جهود الفاعلين إلى المقاصد المطلوبة، وتعبر على هداها مسالك الحياة الوعرة، دون أن تتلبس بك أمارات الإحباط والتراجع، أو تدب في نفسك مشاعر الخذلان، أو تتنازعك خواطر الخيانة..!
لماذا نحيي ذكرى شهدائنا..!؟
لأننا إنسان…وميزتنا النسيان، نسيان القبس الإلهي الذي يصلنا بعالم الغيب، ويرفعنا عن عوالق المادة وأدران الجسد، فنصل أصلنا الأول بقدر امتلائنا بتلك المعاني وتملكها لشغاف القلب وثنايا الروح. فيكون إحياء الذكرى إحياء لأرواحنا المتكدرة، وتذكيرا بحقيقة الرسالة ومقصد الاستخلاف.
وفي خضم هذا التذكير الجماعي، يتجدد العزم، وتتوثق الصلة بحبل ممدود بين السماء والأرض، في طرفه الأعلى شهيدك البطل روحا حية، وفي طرفه الأدنى ساحة التغيير أفرادا وجماعات. وبقدر امتلائك وشدة اتصالك، بقدر إقبالك على الزحف الإصلاحي تبث معانيه السامية في طريق المنكوبين، وتضيئ بأنواره المنهجية ظلام السالكين.
لأننا أمام خيارين في الحياة: فإما أن نقتفي راحة الجسد في شقاء الروح، وإما تعب الجسد في في هناء الروح. ويبدو الخيار الأول بمقاييس العصر أيسر مما سواه، وأدنى لطالبه من غيره، ويكفي فيه بيع الضمائر والمبادئ والصمت حيال الظلم والفساد، لكسب القوت والامتيازات. أما الثاني فمكابدة ومجاهدة بالجسد حد الفناء، لكن بمخزون سعادة وهناء جواني يتعدى مقاييس المادة والحساب.
ولا يتوقف عنك هذا الوهج إلا بخفوت القضية بداخلك، وليست تخبوا إلا بانصرام الحبل منك، ومغادرتك طور الحضور إلى طور النسيان والغياب، فهل إلى إعادة الوصال من سبيل ؟!
نعم، أحيي ذكرى شهدائك…تحيى!

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: