بقلم: ابراهيم العلوي- عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التجديد الطلابي، المنسق الوطني للمبادرة الطلابية ضد التطبيع والعدوان
تأتي كتابة هذه السطور المتزامنة مع الذكرى 44 ليوم الأرض الفلسطيني بعد الهبة الشعبية في الداخل الفلسطيني ضد الاستيلاء على أرضيهم واقتلاعهم منها سنة 1976، والتي ستكون انطلاقة لسلسلة من المقالات حول القضية الفلسطينية في ارتباطها بالمغرب والمغاربة عبر التاريخ وهي عبارة عن تكثيف لمجموعة من الإحداث والشواهد التاريخية المبثوثة في ثنايا الكتب والتي تؤكد على هذا الارتباط في بعده الوجداني و المادي، وذلك إنعاشا لذاكرة وإحياء للتاريخ وتذكيرا بمواقف الرجال العظام التي ما تفتئ تحضرنا في كل مناسبة وذكرى… يأتي كذلك في سياق هلع كوني أعاد ربط الإنسان بإنسانيته وذكرنا بقيم تهلهلت في أزمنة الحداثة وما بعدها وعلى رئسها قيمة الحياة وكرامة الإنسان، هذه الكرامة التي حاولت الامبريالية العالمية أن تجرد منها الإنسان الفلسطيني بنزع أرضه وجعله مجرد لاجئ مشتت عبر بقاع الدنيا أو أسير في سجن من سجون الاحتلال الصهيوني. المقال يأتي أيضا تزامنا مع حركة تطبيعية مشتعلة و مسعورة تجاه فلسطين ومقدسات الأمة، في ظل ظهور أصوات نشاز من داخل الأوساط العربية والإسلامية تدفع تجاه تهميش القضية وجعلها في ذيل الواجبات بل أكثر من ذلك تدفع تجاه جعلها قضية متعارضة مع قضايا الوطن ، حتى أصبح ينعت من يقوم على هذه القضية بنعوت الاستخفاف والازدراء وقليل المشاغل والهموم …من خلال هذه السطور نحاول التفاعل عبر تبين أهمية القضية وحضورها في نفوس المغاربة بكل تشكلاتهم المجتمعية عبر التاريخ:
ـ وعد ” من لا يملك لمن لا يستحق”
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى، وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح.
المخلص
آرثر بلفور
كانت هذه رسالة بلفور وزير خارجية بريطانية إلى الحركة الصهيونية في شخص احد قدتها اللورد ريتيشلد ، من هنا كانت البداية الفعلية لينطلق الظلم والتقتيل والتشريد والشتات للشعب الفلسطيني ، وقد تحين المحتل البريطاني والمغتصب الصهيوني اللحظة التاريخية التي كانت فيها الأمة الإسلامية والدول العربية تعيش الصراع مع الامبريالية العالمية وتصارع من اجل البقاء ورد المحتل ، إذ تجدر الإشارة إلى أن اللوبي الصهيوني العالمي حاول اختراق فلسطين غير ما مرة خلال القرن 18 وقبيله بقليل ويظهر ذلك جليا من خلال وعد نابليون الفرنسي سنة 1799 عندما استعصت عليه عكا الدخول، وقام بنداء اليهود لتقديم المساعدة مقابل أن يحقق لهم أمنيتهم بأرض الميعاد كما هو زعمهم
وفي سنة 1840 أرسل وزير خارجية بريطانية “بارلمستون” خطابا إلى سفيرهم يحثه على التواصل مع السلطان العثماني وحكومته قصد فتح الحدود للهجرة اليهودية لأن حكومة بريطانية ترى أن الوقت قد حان لذلك الأمر”. وبعد فرض الانتداب سنة 1923 بدأ التدفق الصهيوني لفلسطين وترحيل اليهود إليها.
ـ فلسطين في صلب اهتمام الحركة الوطنية ( إنها قضية أرض)
مع مرحلة فرض الانتداب كان الوعي المغربي يعلم خطر الكيان الصهيوني على الأمة ( ويري في الثورات الفلسطينية المتعاقبة ثورات تحريرية تعنيه كما تعنى أي بلد عربي بالاحتلال الأجنبي)
وقد كانت الزعامات الوطنية تستحضر وعد بلفور في صف واحد مع معاهدة الحماية التي فرضت على المغرب ، وستكون سنة 1929 جراء المذبحة التي تعرض لها الفلسطينيون تحت غطاء الاحتلال البريطاني لحظة مهمة قامت فيها الأوسط المغربية خصوص المثقفة منها بردة فعل تعبرا عن رفضهم لتدنيس فلسطين وانتهاك حرمات أهلها ، وتم تقديم عريضة تحمل آلاف التوقيعات موجهة إلى رئيس الحكومة الانجليزية عرفت بعريضة فاس ترفض ممارسة الاحتلال البريطاني .
وقد كان للفعل الطلابي دور مهم في هذه المرحلة من خلال نشاط نادي جمعية الطلاب المغربية بتطوان تحت إشراف احد رموز الحركة الوطنية هناك الأستاذ عبد الخالق الطريس إذ كان النقاش مسلط على القضية الفلسطينية ومن خلاله النقاش حول القضايا الوطنية التي كانت السلطات الاسبانية تمنعها داخل النادي.
وبعد اندلاع الثورة المسلحة في فلسطين بزعامة الشيخ عز الدين القسام تطوع الطالب المهدي بنونة الذي كان يتابع دراسته بالقاهرة و تقدم باقتراح القيام بحملة جمع تبرعات. و تم التنسيق مع المفتى الشيخ الحاج أمين الحسيني وعادا إلى المغرب ومعه اثنين من الفلسطينيين وراحوا يجوبون المغرب قصد جمع المساعدات للثورة الفلسطينية. وكتب الأستاذ الطريس داعيا المغربة للمساهمة ” ليكن للفلسطينيين في ذمة كل مغربي ومغربية ريال اسبانيا ـ خمس بسيطة إسبانية وهذا اقل ما يمكن أن نساهم به لدعم إخواننا الفلسطينيين ضد الصهيونية”
وفي سنة 1937 تم تكوين لجنة من داخل الحركة الوطنية أطلق عليها” لجنة حماية فلسطينيين والأماكن المقدسة” يقول الزعيم علال الفاسي حول هذه اللجنة ” لقد استطعنا أن ننشر الدعاية ضدا على الصهيونية حتى في أوساط اليهود المغاربة إلى حد أنهم أمضوا معنا على وثيقة مشتركة وجهناها للخارجية الانجليزية احتجاجا على قرار اللجنة الملكية التي قررت تقسيم فلسطين”
بعد هذه المرحلة عرفت القضية تعاطفا كبير من قبل الأحزاب الوطني وأطياف من الشعب المغربي، رغم أن المغرب كان يعيش تحت وطأة الاستعمار والصراع إلا أن فلسطين كانت دائما هي البوصلة.
ـ نداء المجاهد محمد بن عبد الكريم ( القيادة مواقف)
لقد كنا ولا نزال نعتبر أن الأمير الخطابي بمثابة مفخرة نضال حركة التحرير العربي والإسلامي بل والإفريقي والدولي حيث كان منزل المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي محج ومزار لزعماء الكفاح المسلح الفلسطيني لتعلم واخذ الخطط لمواجهة المحتل .
كان المجهد محمد بن عبد الكريم الخطابي على وعى وفهم عميق بقضايا الأمة ووحدتها العضوية، وهو عائد من منفاه إلى مصر سنة 1947 بدأت المظاهرات والاحتجاجات تجاه قرار التقسيم. والكل يعلم ما كان يعيشه المغرب خلال هذه المرحلة من شد وأخذ بين الحركة الوطنية والمحتل الفرنسي والاسباني، لكن عندما تكون البوصلة موحدة والارتباط بمفهوم الأمة أعمق والعدو واحد …خرج المجاهد بندائه المشهور “إن فلسطين بلاد عربية ولابد أن تبقى عربية” هذه شواهد من التاريخ تأكد ارتباط هذا القائد المجاهد بفلسطين رغم المحن التي كان يعيشها إذ قال” نؤيد كفاح الشعب العربي الفلسطيني ونتضامن معه من أجل إحقاق الحق العربي في فلسطين وقال إن موقف المغاربة منذ 25 سنة رفضوا وعد بلفور وما زالوا يسهمون بالجهاد العربي من أجل فلسطين ” ويظهر جليا عمق القيادة وصدقها في مساندة وتحرير الأراضي الفلسطينية ومما جاء في ذلك قوله رحمة الله عليه سنة 1947 ” أنه مستعد لقيادة أبناء المغرب العربي في تحرير فلسطين إحياء لخطته التي انتهجها في حرب التحرير الريفية بين عامي 1921 ـ 1926″ وتجدر الإشارة إلى أن موقف الزعيم الخطابي كان موحدا مع مواقف مجموعة من رجالات الحركة الوطنية وكانوا في تنسيق تام حول سبل دعم الشعب الفلسطيني ومساندة الكفاح .
نافلة القول:
لقد سكنت فلسطين والقدس قلوب المغارب فاتخذ منها مزارا أثناء زيارتهم لقضاء مناسك الحج وكانت بمثابة الحج الأصغر.
لقد شكلت العلاقة بين المغرب وفلسطين عمق عبر عن مركزية القدس والمقدسات في ضمير الشعب المغربي وقد تشكل ذلك من خلال نضال رجال ونساء كانت للأرض دلالة في وعيهم ووجدانهم، هم الذين تجرعوا مرارة و ويلات الاحتلال والاستكبار الفرنسي فحرروا الأرض ولم يعرضوا مواقفهم للتجزئة فكان شعارهم أينما حل الظلم فتمت موطني.
المراجع:
نص رسالة وعد آرثر بلفور http://twasol.ps/%D9%86%D8%B5-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%D9%88%D8%B9%D8%AF ا-%D8%A8%D9%84%D9%81%D9%88%D8%B1/
2 منصور صادر سلامة ” وقفات للارض المقدسة ، ط الثانية 2016 جسور، ص 21
3 نفس المرجع السابق
4 مبارك زكي ، مقال ، المغرب والقضية الفلسطينية والقدس الشريف من وعد بلفور إلى لجنة القدس ـ مؤلف جماعي: الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية ـ الفلسطينية ـ نسقه وجمعه: عبد الحميد المود ، عبد الرحمن محمد مغربي ـ ط 2 ، 2018 ص496
4 صفوان ناظم داؤد حسن، الحركة الوطنية المغربية والقضية الفلسطنية 1930 ـ 1948، الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية ـ الفلسطينية ،
ج 1، ط 2018، ص 327.