صوت الجامعة المغربية
- الإعلانات -

نتنياهو .. الإعدام السياسي

بقلم حاتم الشعبي

يرتكز النظام السياسي في الكيان الصهيوني على الديمقراطية البرلمانية ويتكون من ثلاث سلط أساسية؛ الأولى هي السلطة التشريعية، أو ما يطلق عليها “الكنيست” وهو مجلس تشريعي أحادي يوجد في القدس المحتلة عاصمة فلسطين الأبدية، ويتشكل من 120 عضو يتم انتخابهم كل 4 سنوات وله أربع وظائف رئيسية يستمد منها قوته وهي كالتالي : تأليف الحكومة، وتمثيل المواطنين، ومراقبة السلطة التنفيذية، والثانية هي السلطة التنفيذية التي هي الحكومة “الكابينيت”، إذ يعتبر رئيس الوزراء أقوى شخصية سياسية في البلاد، يعين بطريقة شكلية من طرف رئيس الكيان، بناء على تزكية من أعضاء الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في “الكنيست”، كما يحق لرئيس الوزراء اتخاذ القرارات السياسية الداخلية والخارجية من خلال التصويت عليها في المجلس الوزاري المصغر “الكابينيت”، وهناك السلطة القضائية، ومؤسسة رئاسة الكيان. هاته الأخيرة تبقى ذات صلاحيات رمزية كما أنها تنئ بنفسها عن التجاذبات السياسية والحزبية لتبقى آراؤها ومواقفها تمثل الجماهير الصهيونية في الاتفاقات القومية، ولأن دورها حيادي وتقف على مسافة واحدة مع جميع الأطراف، تمنح لها بعض الصلاحيات الفعلية كتعيين القضاة وأعضاء الأكاديمية القومية للعلوم ومجلس الحاخاميين الأعلى وغيرها من المناصب التي تتطلب الحياد في التعيينات، ويتولى رئيس الكيان منصبه ولاية واحدة فقط مدتها سبع سنوات وينتخب من خلال “الكنيست” بانتخابات سرية بأغلبية مطلقة لأعضاء “الكنيست”.
– الحياة السياسية في الكيان :
الذي يعرف الاحتلال وبنيته الاجتماعية والسياسية يعرف أن هاته البنية هي بنية عسكرية بامتياز، فالأغلبية الساحقة من الصهاينة هم جنود احتياط وهذا ما حدث في بداية معركة “طوفان الأقصى”، حيت شهدت الجامعات فراغًا طلابيا وتوقفت بها الدراسة بعد استدعاء الجيش لجنود الاحتياط، كما أن أغلب السياسيين الصهاينة من رئيس البلاد إلى أصغر موظف حكومي هم جنود أو قادة عسكريون في الجيش إذا استثنينا اليمين المتدين المعفي من الخدمة بموجب قانون صادق عليه يهود باراك سنة 2001، فبالتالي هاته الحلقة التي تربط بين الشعب وقادته السياسيين تلقي بظلالها على الحياة السياسية من جهة، إذ يعتبر التاريخ العسكري العملياتي للزعيم الحزبي أو المرشح الانتخابي ورقة سياسية ناجحة عن جدارة ويبني عليها أساس صورته الانتخابية، فعلى سبيل المثال؛ يهود باراك وصورته الشهيرة وهو ينكل بالجثمان الشريف لدلال المغربي، ووزير الحرب الأسبق “يعلون” ادعى سنة 2014 أنه آخر من أطلق الرصاص على “أبي جهاد” رحمه الله، بل حتى تسبي ليفني التي ليست لها باع عسكري قالت مرة أنها كانت تمارس الجنس مع زعماء عرب للحصول على معلومات حساسة منهم (هاته المهام القذرة أصدر فيها الحاخامات فتوى على أنها حلال)، ومن الجهة الأخرى الجانب الاجتماعي الذي يتصدر فيها الهاجس الأمني بدرجة أولى على اهتمامات الناخبين في الكيان، بل قد يعتبر المحدد الرئيس في اختيار المرشح الانتخابي وهذا أيضا جد ملحوظ حتى في البرامج الانتخابية التي تشهد تركيزا كبيرا على خطاب التهديد والوعيد لقادة حماس أو حزب الله وإيران والتبشير بحماية “شعب إسرائيل” من التهديدات الخارجية والداخلية مع تسجيل شبه غياب للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي كما هو معلوم في باقي الدول .
نقطة التحول
– شكل تاريخ الأول من ماي سنة 2017 نقلة نوعية في مسار حماس،عندما أعلن رئيس مكتبه السياسي “خالد مشعل” عن وثيقة سياسية جديدة تحت مسمى “المبادئ والسياسات العامة”، وقد أحدثت هاته الوثيقة العديد من ردود الأفعال على المستوى العربي والدولي وخلفت الكثير من الآراء المتباينة بين مؤيد ومعارض لها، لما تضمنته من إعلاء الخطاب السياسي بدل الخطاب الإسلامي التقليدي، وكذلك التخلي عن بعض البنود كعدم الإشارة بشكل مباشر للعلاقة بينها وبين الإخوان المسلمين كما كان موجودا في وثيقة التأسيس أو إضافة البند 20، الذي أثار الجدل وأصبح عنواناً للوثيقة من طرف الصحافة العربية، (البند) الخاص بموقف حماس من إنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على حدود 67، وبعيدا عن هذا اللغط والانقسام الحاصل والمستمر ليومنا الحالي، فالظاهر بشكل جلي هو أن خيار حماس في تلك المرحلة كان محددا وهو الدخول إلى الساحة السياسية الدولية وفرض نفسها كلاعب أساسي في المنطقة مع انفتاحها على المنتظم الدولي والقطع مع المرحلة كونها حركة تتحرك في مربع الفعل ورد الفعل فقط مع الكيان، لكن هذا الانفتاح وجد أمامه العديد من العوائق أولها سلطة “عباس” التي تعتبر نفسها هي الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني انطلاقا من منظمة التحرير ومقررات “أوسلو”، كما تحتكر القرار السياسي في فلسطين، ولهذا أي قوة أخرى تقتحم القرار السياسي الفلسطيني تعتبرها تهديدا لسلطتها، كما جاء في تصريح عباس الأرعن، حيث جرد حماس من فلسطينيتها وادعى بأنها لا تمثل الشعب الفلسطيني، وذلك في أوج العدوان الغاشم على غزة، مسلما رأسها للإدارة الأمريكية والرأي العام.
أما العائق الثاني بالنسبة للحركة، هو” نتنياهو” الذي يعتبر من نخبة سياسيي الجيل الثاني للكيان وأحد زعمائه التاريخيين نظراً لمساره السياسي الحافل والمسؤوليات التي أوكلت له. ونذكر منها مندوب الكيان في الأمم المتحدة وسفير لدى واشنطن، كما اشتغل نائبا لوزير الخارجية، ثم وزيرا للخارجية في ما بعد، وأصبح في فترة اعتزاله السياسي مؤقتا، أحد أكثر المحاضرين طلبا في العالم سنة 2001، ما جعل من مساره السياسي الذي اتسم بالبعد الدولي أكثر من الداخلي، شخصا له شبكة علاقات قوية خارجيا، وحضورا أمميا وازنا، فوحده القادر على الذي رفع خارطة فلسطين محتلة بالكامل في منصة الأمم المتحدة ضربا بقراراتها عرض الحائط في عقر دارها دون أي شجب أو إدانة كما أنه شخص يعرف العقلية الغربية كيف تفكر وكيف يقنعها بالرواية الصهيونية المكذوبة كقصة الأطفال الذين علقتهم حماس وحرقتهم وأعدمتهم، والذي كشف زيف ادعائه بعدما انتشرت كالنار في الهشيم، ناهيك عن قدرته الخارقة على تسخير الإدارة الأمريكية ككساحة ألغام أمام مخططاته الانتخابية؛ كالتطبيع وصفقة القرن وتحويل القنصلية الأمريكية للقدس وغيرها من أحلام اليقظة، فبالتالي التأثير والحضور الذي يمتلكه “نتنياهو” على المستوى الدولي يعيق طموح حماس والمقاومة ككل، وانتظاراتهم السياسية. ولهذا أصبح “نتنياهو” هدفاً للمقاومة وجب إعدامه سياسياً.
*- الاعدام السياسي *
لعل أكبر هاجس يعيشه القادة السياسيون في الكيان الصهيوني، ويمثل لهم كابوساً أًسْوَد يلاحقهم حتى في أحلامهم، هو هاجس “الإعدام السياسي”، وكما سبق ذكره من كون الخطاب السياسي في الكيان الصهيوني يغلب عليه الطابع الأمني، ومن يتميز فيه قد يُرفع إلى مرتبة البطل القومي ومحبوب الجماهير، لكن الوجه الآخر، كونه توجه ذو حدين، قد يصبح في نفس الوقت محددا للإعدام سياسيا، نظرا لكون المجتمع الصهيوني مجتمعا متغطرس لا يعترف بالفشل أو الهزيمة، ويعتبر الملف الأمني ملفًا حساسا وإحدى الخطوط الحمراء لديه، فبالتالي أي هزيمة عسكرية أو فشل أمني ذريع يصبح التاريخ النضالي والسياسي والعسكري للمعني بالأمر في مهب الريح، والشواهد على هذا الأمر كثيرة، نذكر منها شخصية واحدة نظرا لكون حالته آنذاك تشبه بشكل كبير وضعية نتنياهو السياسية اليوم وهو “يهودا أولمرت”، هذا الأخير كان أيضا عسكريا وديبلوماسيا وسياسيا متمرسا وله صيت دولي كبير، وأصبح رئيس الوزراء، بناءً على ذلك، سنة 2006. لكن ما أن خسر حرب 2006 أمام حزب الله ولم يستطع أن يقضي على حماس في 2008 أو حتى استرجاع الجندي “شاليط “، أعدم سياسيا وحوكم فيما بعد بتهم فساد ورشاوي، وأظن أن حماس اتخذت أيضا هذا التوجه بعد معركة “العصف المأكول”، نظرا لكون الكيان بزعامة نتنياهو، تنصل من كل الاتفاقات والتفاهمات بعد المعركة ومارس موهبته الفذة وقدرته الكبيرة على التنصل من الالتزامات والمعاهدات كيفما كانت، غيرت المقاومة من تكتيكاتها العسكرية وبادرت بالهجوم لأول مرة في تاريخ الصراع في معركة سيف القدس وساهمت في انهيار حكومته، وخسارته الانتخابات لأول مرة بعد 12 سنة من الانفراد بالحكم، لكن تلك الضربة لم تكن كافية لإعدامه سياسيا، نظرا لانعدام البديل السياسي في المستوى أو كما أطلق عليه في ما بعد “حكومة المراهقين” بزعامة مدير مكتبه السابق “بينت”، الذي شكل تحالفا سخيفا مع “يائير لبيد”، يقتسمان فيه رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية عامين لكل منهما، لهذا عاد “نتنياهو” إلى الحكومة، بعد عدم صمود حكومة “بينت” و”لبيد”، متحالفاً مع متطرفين يمارسون عليه الابتزاز السياسي صباح مساء، وإذا عدنا إلى كلمة “أبو عبيدة” فقد أشار إلى كون عملية “طوفان الاقصى” أخدت من الإعداد والتخطيط قرابة العامين أي سنة من ترنح حكومة “بينت” و”لبيد”، وسنة من صعود نتنياهو واليمين المتطرف، وأردف أيضا أن هاته المعركة بدأت من حيت انتهت معركة سيف القدس بمعنى أنها استكمال لحساب لم يتم إنهائه في سيف القدس، وفعلا، كانت الضربة الأولى لمعركة “طوفان الاقصى” ضربة قاسمة لمسار “نتنياهو” السياسي وإعلاناً لإعدامه سياسيا، نظرا للخسائر التي مني بها الكيان الصهيوني وغير المسبوقة في تاريخه، ولكن، لأن نتنياهو سياسي محنك، فعل قانون الحرب بطريقة أحادية وبدون اتفاق “الكابينيت”، وهذا القانون يسمح له بعدد أكبر من الصلاحيات والسلط، كما أنه شكل حكومة طوارئ ضم فيها جميع القادة السياسيين بما فيهم المعارضة، محاولا بذلك كسب ما أمكن من الوقت لتحقيق أي هدف يحفظ به ماء وجهه أو تقاسم مسؤولية الفشل مع باقي الشركاء السياسيين على حد سواء، خصوصا وأن حجم ضربة المقاومة وتأثيرها على الجبهة الداخلية المنهارة يحتم عليه أن يكون حجم الهدف كبيرا.

بالرجوع إلى مسألة حساب حماس مع “نتنياهو” فلا يجب أن يفهم من كلامي أن حماس تخوض حروبا لأجل حسابات شخصية أو هوى إيديولوجي على حساب أهلنا في غزة، ولو كان كذلك، لكانت قد ردت على عدوان الصهاينة في المسجد الاقصى في وقت كان الجميع ينتظر منها الرد، وأخلفت لكون أهدافها أكبر من ردود أفعال، وأريد هنا أن أشير إلى تصريح لـ “أبو عبيدة” في ما سبق: “إن المقاومة اليوم لم تعد تلك المقاومة التي يتم استدراجها إلى المناطق المفتوحة ويتم بعد ذلك قصفها”، بمعنى أن المقاومة لم تعد مقاومة ردود أفعال بل المقاومة اليوم تخوض حروبا استراتيجية، والهدف الاستراتيجي من معركة “طوفان الأقصى” كان القطع مع آخر زعيم سياسي من الجيل الثاني لسياسيي الكيان، مقابل بدء مرحلة جديدة مع الجيل الثالث الذي لا يتوفر على الكفاءة ولا الحنكة ولا تأثير الجيل الثاني، بالمقابل تقوية الجبهة الفلسطينية وتيار المقاومة بتحرير العديد من قيادات الصف الأول الفلسطيني من الأسر نظرا لعدد الأسرى الكبير والذي من بينهم أصحاب الرتب العالية، أيضا بحوزة المقاومة على سبيل المثال، “كمروان البرغوثي” الزعيم السياسي الفتحاوي المحكوم بخمس مؤبدات والذي يتخوف منه “حسن الشيخ “وماجد الفرج” المرشحين لخلافة عباس على رأس السلطة، لما له من شعبية منقطعة النظير داخل فتح والشارع الفلسطيني. فخروج “مروان البرغوتي” وحده قد يقلب الساحة السياسية الفلسطينية رأسا على عقب، بالمزيد من العزلة لتيار السلام المفاوضات الذي سئم منه أهل الضفة أمام تيار المقاومة، ولم لا، القيام بالمصالحة التي تعرقل كذا مرة، ممن ليس في مصلحتهم توحيد الجبهة الفلسطينية وقواعد فتح.

ويبقى السؤال المطروح، هل يستطيع الكيان الصهيوني أن يتحمل ثمن تطهير غزة من المقاومة، وهو الشيء الذي لم يستطع فعله والمقاومة ضعيفة، وقبل أشهر قليلة لم تستطع نخبته اقتحام مخيم جنين، وكانت ناقلات جنده تفجر في وضح النهار بمخيم عين شمس؟

تعليقات
تحميل...
%d مدونون معجبون بهذه: